مخاوف من عودة الحرب

يونس السيد

على الرغم من توقيع اتفاقين لوقف إطلاق النار في لبنان وغزة ومحاولات التوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا، عادت نذر الحرب تتجمع مجدداً في الأفق، بعد أن وصلت هذه الاتفاقات إلى مرحلة حرجة من شأنها أن تضع المنطقة برمتها على حافة الانفجار.
ليست الخروقات الإسرائيلية وحدها، هي من تدفع نحو تجدد الحرب، وإنما هناك عوامل أخرى، لا تقل أهمية، يتقدمها عدم حسم إسرائيل لأي من الحروب التي خاضتها على كل الجبهات. ومنها أيضاً عدم تطبيق الاتفاقات نفسها، أو تعثرها في مكان ما، بينما تلعب التطورات الإقليمية والدولية دوراً مهماً في وقف الحرب ومنع اشتعالها من جديد. وفي كل الحالات تنطلق إسرائيل في حروبها من مقولة إنها تتعرض لخطر وجودي، بينما باتت الأطراف الأخرى تنطلق من النظرة إزاء هذا التهديد الوجودي، وبالتالي أصبحت التسويات والحلول السياسية أكثر تعقيداً وأقل فرصة للنجاح.
هكذا بات ينظر الآن إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، فبعد نحو عام على اتفاق 27 نوفمبر(تشرين الثاني)، لم تتوقف إسرائيل يوماً واحداً عن خرقه، على خلفية نزع سلاح «حزب الله»، بات هذا الاتفاق على حافة الانهيار، وأصبحت احتمالات تجدد الحرب أكبر بكثير من احتمالات التوصل إلى تسوية مع لبنان. وفي سوريا بات تقارب واشنطن مع السلطة الجديدة في دمشق يثير المخاوف في إسرائيل من اضطرارها لتقديم تنازلات تعتبرها «استراتيجية» مثل الانسحاب من جبل الشيخ والمناطق التي احتلتها في جنوب البلاد مستغلة ضعف السلطة الجديدة خلال المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام السابق.
وفي غزة، ثمة عوامل متشابكة لانهيار وقف إطلاق النار وتجدد الحرب، إذ إن صعوبة الانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام، وهنا لا يتعلق الأمر باستعادة جثث الرهائن كما تدعي إسرائيل، والتي بقي منها ثلاث على كل حال، تكمن في الأثمان السياسية التي ينبغي دفعها، وما إذا كانت جبهتها الداخلية قادرة على تحملها. فنزع سلاح غزة، وهو شرط إسرائيلي للمضي قدماً، يدخل في نطاق المرحلة الثانية، وهناك على ما يبدو محاولات جارية للتوصل إلى صيغة معينة بشأنه، لكن ما يزعج إسرائيل هو فتح مسار سياسي يمنح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة كما ورد في مشروع القرار الأمريكي إلى مجلس الأمن.
وما يزعج إسرائيل أكثر هو إحكام واشنطن قبضتها على كل القرارات المتعلقة بمستقبل غزة، بما في ذلك حرمانها من «الفيتو» على مشاركة بعض الدول في «القوة الدولية» التي سيتم نشرها أو التدخل في مهامها وصلاحياتها. ولعل كل هذه العوامل مجتمعة هي ما قد يدفع إسرائيل لتفجير الحرب مجدداً سعياً لتغيير المعادلات القائمة، وخلق ظروف جديدة تسمح لها بتحقيق أهدافها في الهيمنة على المنطقة من دون قيود أو اتفاقات.

younis898@yahoo.com

الخليج الاماراتية