يظلّ اسم مروان البرغوثي أحد أنقى الرموز الوطنية في الوعي الفلسطيني، فهو ليس مجرد أسير أو قائد، بل عنوانٌ للثبات والعزة والإيمان بالوحدة والمشروع الوطني الجامع. غير أنّ هذا الاسم، بكل ما يحمل من قيمة وتاريخ، أصبح في الآونة الأخيرة ميدانًا للتلاعب والاستثمار السياسي من أطراف فصائلية وأجهزة تعمل في الظل، تحاول عبره خلق حالة من الإرباك داخل الساحة الفلسطينية عامة، وداخل الصف الفتحاوي بشكل خاص.
لقد بدأنا نلاحظ كيف تُستعمل الأسماء الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها مروان، كأدوات للمناورة السياسية والدعائية، لا كرموز للوحدة أو مطالب إنسانية عادلة. فبدل أن يكون الحديث عن مروان جزءًا من معركة تحرير الأسرى، تحوّل أحيانًا إلى ورقة ضغط أو عنوان للاستخدام الإعلامي الموجّه. تُرفع صوره حين يخدم ذلك مصالح فصائل معينة، وتُهمّش حين يصبح صوته الحقيقي مصدر إزعاج لمن يخطط للانفراد بالقرار. وهذا السلوك لم يعد خافيًا على أبناء شعبنا الذين أدركوا أن بعض الأطراف تتعامل مع الرموز كأدوات مؤقتة وليست ثوابت وطنية.
إنّ ما يجري لا يقتصر على استغلال إعلامي، بل يتجاوز ذلك إلى محاولاتٍ منظّمة لتفتيت الوعي الوطني داخل الشارع الفتحاوي عبر بث الشائعات، ونشر بيانات مزوّرة، واستخدام شبكات مموّلة من الخارج تحمل أسماء قادة فتحاويين لتشويه المواقف وإرباك الصفوف. هذه الأساليب ليست جديدة، لكنها باتت أكثر خطرًا في ظلّ حالة الانقسام واستغلال الحرب في غزة لتصفية الحسابات الداخلية بدل توحيد الجهود ضد الاحتلال. ومن المؤسف أنّ بعض تلك الحملات تُدار بواجهات إعلامية ترفع شعارات المقاومة بينما تعمل في الحقيقة لخدمة أجندات تهدف إلى إضعاف حركة فتح وتمزيق ثقة جماهيرها بقيادتها.
ما تقوم به حماس في هذا السياق يثير تساؤلات مشروعة. فحين تُدرج اسم مروان في مفاوضات أو تصريحات، فهي تفعل ذلك خارج إطار التنسيق الوطني، ودون الرجوع إلى المؤسسة التي ينتمي إليها هذا الرمز، وكأنها تمنح نفسها تفويضًا وطنيًا لا تملكه. هذه الطريقة لا تخدم مروان ولا قضية الأسرى، بل تُكرّس الانقسام وتضعف الموقف الفلسطيني الموحد أمام العالم. فالرموز الوطنية ليست أوراقًا للتفاوض، بل جسور للوحدة، وأي محاولة لتسييسها خارج الإجماع الفلسطيني إنما هي إساءة لتاريخها وللدم الذي قدّمته.
ان استغلال اسم مروان خلق حالة من الإرباك والاستنزاف، إذ تسعى بعض الجهات إلى الإيحاء بوجود صراعات داخلية حول موقعه أو موقفه، في حين أنّ مروان نفسه كان وما زال رمزًا للوحدة ورافضًا للانقسام. من يعرف تاريخه يدرك أن الرجل لا يقبل أن يُستعمل اسمه ضد فتح، ولا أن يُستخدم لتغطية مشاريع سياسية تهدف إلى تفكيك الحركة أو ضربها من الداخل. لذلك فإن واجب كل فتحاوي اليوم أن يدافع عن رموزه بالوعي، لا بالعاطفة، وأن يحمي الأسماء الوطنية من الابتذال الفصائلي ومن الدسائس التي تُصنع في غرف مظلمة.
من المؤلم أن يتحوّل رمز بحجم مروان إلى مادة للمساومة بين من يسعون لتسجيل النقاط السياسية. فالقضية ليست في من يرفع اسمه أكثر، بل في من يحترم مسيرته ويصون رسالته. والرسالة كانت دائمًا واضحة: الوحدة الوطنية، المقاومة ضمن الإجماع، وتحرير الإنسان قبل الجغرافيا. هذه المبادئ لا يمكن أن تُختزل في منشورات أو بيانات، ولا يجوز أن تُستعمل لإرباك الصف الوطني الذي كان مروان أحد أبرز رموزه وحُماته.
إنّ من يستغل اسم مروان اليوم، سواء في غزة أو في الخارج، إنما يسهم في مشروع تفتيت الوعي الوطني. هؤلاء يضعون مصالحهم الحزبية فوق قيمة الوطن، ويتحدثون باسم الشرفاء وهم في الحقيقة يعبثون بوعي الجماهير. أما من يريد الوفاء لمروان حقًا، فعليه أن يواصل الطريق الذي رسمه بوضوح: طريق الوحدة، والمشاركة، والموقف الثابت في وجه الانقسام والفوضى.
لقد آن الأوان لوضع حدّ لهذه الفوضى الإعلامية والسياسية، ولمنع المتاجرة بالأسماء والرموز الوطنية. المطلوب اليوم هو استعادة الخط الوطني الأصيل، وإعادة الاعتبار إلى المشروع الذي مثّله مروان في فكره ونضاله وسجنه، لا أن يُترك اسمه رهينة للتلاعب والمزايدة. إنّ الشعب الفلسطيني أكبر من كل المحاولات العابثة، وسيظلّ يميّز بين من يخدم قضيته بصدق ومن يتاجر بها لمصالح ضيقة. فالأسماء العظيمة لا تُستعمل، بل تُصان، ومروان سيبقى كما كان دائمًا: صوتًا للوحدة، لا أداة للفرقة، ورمزًا للحرية التي لا تعرف المساومة