تقترب حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة من دخول يومها الـ470 على التوالي، بينما يطفو إلى السطح حالة من الجدل الواسع بين الغزيين، حول “حرب اللاشيء” التي تسببت في دفعهم كل هذا الثمن الفادح، بدءًا بعدد الشهداء الذي يقترب من الـ50 ألفًا والإصابات التي تقترب من 120 ألفًا، مرورًا بتدمير البنية التحتية للقطاع وجعلها منطقة غير صالحة للحياة، وليس انتهاءً بعدد ضخم وغير معروف من الأسرى في سجون الاحتلال والمفقودين، بعد سنوات من “بروباغندا المحو” التي أوجعت بها حماس رؤوسنا، حتى وصلنا إلى أبرز المواضيع المثارة حاليًا: المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل، في ظل مزاعم من مسؤولين فلسطينيين كبار بأن عدم قبول حماس بصفقة معينة قد يضع مستقبل الحركة على المحك.
هذا الأمر يُسلط الضوء على التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه حركة حماس في ظل الضغوط الإقليمية والدولية، إضافة إلى انعكاس ذلك على المشهد الفلسطيني ككل، في ظل حديث التقارير حول أن المفاوضات الجارية تتعلق بصفقة حساسة تمس قضايا سياسية وأمنية قد يكون لها تأثير جوهري على حركة حماس ووجودها كقوة رئيسية في الساحة الفلسطينية.
ومع قلة التفاصيل المعلنة في وسائل الإعلام حول مضمون الصفقة، تُثار تساؤلات بشأن حجم التنازلات المطلوبة من الحركة، وما إذا كانت ستُقدِم على خطوات قد تؤدي إلى تغيير في استراتيجيتها أو هيكليتها.
الزعم بأن قادة الحركة قد يوقّعون على “حذف” حماس، إذا لم يقبلوا بالصفقة، يعكس ضغوطًا كبيرة تواجهها القيادة السياسية للحركة. في ظل هذا السيناريو، يبدو أن الصفقة ليست مجرد اتفاق عابر، بل نقطة تحول يمكن أن تُحدد مستقبل الحركة ودورها في النضال الفلسطيني.
وفقًا لما يُزعم في التقارير، فإن رفض قادة حماس للصفقة قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الحركة ككل، أبرزها قد تشمل تضييق الخناق الإقليمي والدولي لإضعاف نفوذ الحركة، وتصعيد المواجهة العسكرية مباشرة من إسرائيل، وثالثًا تآكل الدعم الشعبي، لأنه إذا فُسرت الخطوة على أنها إضرار بالمصالح الفلسطينية الكبرى، قد تفقد الحركة جزءًا من قاعدتها الشعبية داخل قطاع غزة وخارجه. هذا كله خلافًا لتفاقم الانقسام الفلسطيني مع السلطة الفلسطينية، مما يعمق الانقسام الداخلي ويضعف الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ظل هذه الضغوط، تواجه الحركة معضلة صعبة تتطلب موازنة دقيقة بين الحفاظ على مبادئها الأساسية وبين الانفتاح على حلول قد تكون ضرورية لتخفيف الأعباء على الشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة المحاصر. فلو اعتبرنا أن الحركة قبلت بالصفقة، فهذا سيكون خطوة استراتيجية قد تُعيد تشكيل علاقتها مع الأطراف الأخرى. ومع ذلك، قد يُفسر القبول كتنازل عن بعض أهدافها الأساسية.
ولكن لو رفضت الحركة الصفقة، فإنها قد تُظهر صلابة في مواقفها، لكنها ستواجه تحديات وجودية نتيجة العواقب المحتملة.
إن الأطراف الإقليمية والدولية تلعب هذه الأيام دورًا مهمًا في تشكيل مسار هذه المفاوضات. بينما تضغط بعض الدول لتسوية سياسية تشمل تنازلات من حماس، تسعى أطراف أخرى إلى استغلال هذا الظرف لإضعاف الحركة. الدور الإسرائيلي هنا مركزي، حيث تسعى تل أبيب إلى تقويض أي دور مستقبلي لحماس في المشهد الفلسطيني، سواء عبر الضغوط السياسية أو العمليات العسكرية.
وبعيدًا عن حركة حماس كتنظيم، فإن هذه المحادثات تعكس مرحلة دقيقة في مسار القضية الفلسطينية. القرار الذي ستتخذه حماس سيؤثر بشكل كبير على مستقبل المقاومة الفلسطينية، وعلى فرص تحقيق الوحدة الوطنية. ومن هنا، فإن الموقف يتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والتخطيط الاستراتيجي لتجنب سيناريوهات تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني وتُضعف موقفه على الساحة الدولية.
إن الحديث عن حذف حركة حماس نتيجة رفضها صفقة معينة يعكس تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني وتداخله مع مصالح الأطراف الإقليمية والدولية. في هذه المرحلة، يُعد الخيار الذي ستتخذه قيادة الحركة اختبارًا حقيقيًا لقدرتهم على الموازنة بين المبادئ السياسية ومتطلبات الواقع المتغير. مهما كان القرار، يبقى تحقيق الوحدة الفلسطينية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي الهدف الأسمى الذي يجب أن يوحد جميع الأطراف.