لم تستيقظ حماس بعد من أوهامها، وما زالت تظن أنها انتصرت وقادرة على فرض شروطها على جميع أطراف الصراع، دون إدراك الحقيقة، ودون فهم الواقع، ودون قراءة المستقبل.
حماس التي تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، متمنية فوز المرشحة الديمقراطية حالها حال جماعة الإخوان المسلمين التي ترى في كامالا هاريس امتدادًا سياسيًا لعهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، سيعيد أمجاد الجماعة ويعزز من مكانتها في الشرق الأوسط. وليس هذا فحسب، بل تبني الحركة أيضًا آمالًا بازدياد حدة الصراع بين إيران وإسرائيل، لتحسين موقفها التفاوضي في القطاع وواقعها السياسي في المنطقة.
جولات الحوار بين حركتي فتح وحماس في القاهرة تراوح مكانها دون تحقيق نتائج إيجابية أو خروقات سياسية تخرج الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دائرة أزماته ومتطلباته الحياتية.
محاولات حركة فتح احتواء حماس سياسيًا، وإنتاج صيغة حكم توافقية قائمة على كيانية سياسية فلسطينية واحدة، بعيدًا عن تصادم مسلح جديد تسعى إليه حماس لإعادة فرض نفسها مجددًا كقوة أمر واقع تحكم من خلالها شعب القطاع، معتمدة على رهانات إقليمية ودولية تدفعها لعدم الاستعجال في حوارها مع حركة فتح، لرغبتها الجامحة في التشبث بإدارة القطاع والحفاظ على سيطرتها في مناطق تحت أعين وسمع قوات الجيش الإسرائيلي المتمركز في غزة، الذي تلقى أوامر من المستوى السياسي بإبقاء أنواع محدودة من حكم حماس لإدامة الانقسام الفلسطيني، واستغلاله في تنفيذ باقي مخططات منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، الذاهب لإيجاد فوضى حرب أهلية أو اقتتال داخلي فلسطيني في القطاع لإبقاء شرعية وجودية لقوات جيشه.
محاولات خلق مسارات لإعادة تدوير الانقسام تحت عناوين تشكيل لجنة مجتمعية للإغاثة والإشراف على الحياة المدنية في غزة، هي محاولات محكومة بالفشل، تعكس ضيق أفق وتجاهل لإفرازات الحرب على غزة وما كرسته من وقائع تتجاوز ما تطرحه الحركتان في لقاءات القاهرة.
إصرار حماس على البقاء في مشهد السيطرة والحكم تحت أيّ صيغة لا تضمن عودة السلطة لتسلّم مسؤولياتها في القطاع بشكل واضح لا لبس فيه، ينذر بتحرك شعبي كانتفاضة أو حركة احتجاجية – بدأت بوادرها بالظهور – على ما تبقى من جيوب الحركة كردة فعل عفوية أمام الواقع الذي يكرسه الاحتلال ومغامرات حماس الكارثية.
عناصر حماس في غزة تدرك أن عاصفة شعبية قادمة لا محالة لاقتلاع بقايا حكمهم الدكتاتوري، خاصة وأن المواطن الفلسطيني ضاق ذرعًا بمآلات السابع من أكتوبر وعواقبه، التي لم تقف عند حد تدمير القطاع فوق رؤوس قاطنيه، بل تجاوزت باستغلال المعاناة والتربح منها. فلم تكتفِ حماس بجمع التبرعات من الشعوب العربية بحجة المآسي في غزة، بل قامت قياداتها من خلال عصابات ومتنفذين يتبعون لها، بنهب المساعدات التي تأتي للقطاع وطرحها مجددًا في أسواق غزة بأغلى الأثمان، وأيضًا قتل وسحل كل من يحاول اقتحام مخزن لهم ليطعم عائلته كي لا تموت جوعًا.
الصورة في غزة مختلفة تمامًا عمّا نراه أو نسمعه على شاشات الفضائيات، فالخطر ليس بالبوادر التي أصبحت تطفو على السطح ببدء تشكيل حركة احتجاجية شعبية داخل القطاع ضد حركة حماس بصخب سياسي مرتفع، بل الخطر في تطويعها إسرائيليًا لخدمة مصالح منظومة اليمين الإسرائيلي الساعي لخلق حرب أهلية؛ من خلال تشكيل مجموعات محلية مسلحة تتصارع مع ما تبقى من حماس. ليستمر الانقسام والاقتتال الفلسطيني، ويستمر اليمين الإسرائيلي في ذرائعه للبقاء في غزة المقسمة إلى محاور، والتي أصبح البقاء أو العيش فيها مستحيلا، فيكون قد ضرب عصافير عديدة بحجر واحد، قتل الفلسطينيين بعضهم بعضا، وهجرتهم، وانتهاء مشروعهم السياسي بإقامة دولتهم.