تابع العالم الليلة الماضية بدهشة، وبمشاعر الصّدمة، تلك المشادّة الحادة التي جرت فصولها أمام عدسات المصورين، وتحت وابلٍ من أسئلة الصحفيين.
كما لو أنها منازعةٌ بين جيرانٍ في حارة، بدت تلك المقابلة الخارجة عن المألوف، والمفتقدة للياقة الدبلوماسية، وهي تُظهر الدولة العظمى كواحدةٍ من دول العالم الثالث التي تفتقد للحكمة.
ما عبّرت عنه لغة الجسد بين الزعيمين، فاقت ما تناثر من شظايا الكلمات التي بدت كاللكمات، تبادلها طرفان غير متكافئين، لا بالقوة الباطشة، ولا بأعداد اللاعبين في الملعب، بينما ظهر زيلنسكي وحيداً في مواجهة الرئيس ونائبه.
بشجاعةٍ وثبات، واجه زيلنسكي تسونامي الهجمات، ومحاولات رجل العقارات سحل ضيفه على الهواء، بإرغامه على التوقيع على صفقة المعادن النفيسة، التي يريد ترمب الحصول عليها، بمنطق الدولة المستعمرة.
ردود زيلنسكي بقوله لترمب: “لماذا ترفع صوتك؟”، ورده على نائبه بأنه لم يأت لأوكرانيا، ولا يعرف ما يجري فيها، تعبّر عن رجلٍ جسورٍ يدافع عن مصلحة شعبه ومستقبل بلاده.
لم يتوقف قطب العقارات المأخوذ بمشاهد تلفزيون الواقع، وأفلام رعاة البقر في الغرب الأمريكي، عن محاولة إحراج ضيفه الذي بدا متماسكاً، رغم عنف الهجمات التي تعرض لها من الرئيس ونائبه، برفع السبابة في وجهه، تهديداً ووعيداً، قبل أن يتم طرده من البيت الأبيض.
مثل هذه السجالات، كانت تجري بين الزعماء داخل الغرف المغلقة، وكان يتم الكشف عن تفاصيلها، عقب رفع السرّية عنها، بعد عقودٍ من حدوثها، لكن ترمب المفتون بعودته الثانية، والطامح في ثروات أوكرانيا، فتح اللقاء على الهواء، ليحرج ضيفه وليخرجه من المشهد إن لم يصدع لمطلبه بالتوقيع على الصفقة. يمكن القول إن زيلنسكي حقق فوزاً، وسجّل هدفاً من ضربةٍ مرتدة، بيد أن نوازع الانتقام لن تترك الرجل ينعم بالسلام!