“مشهدٌ على حافة الهاوية … دبابيس تتدلى في فراغ الأخلاق”

بقلم: د. منى ابو حمدية

اكاديمية وباحثة
———————————

حين تبلغ قمعية الاحتلال ذروة خفوتها الأخلاقي، تظهر رموزها أكثر فجاجة من قدرتها على الإخفاء. هكذا بدا المشهد حين علّق إيتمار بن غفير وأعضاء حزبه دبوساً على شكل حبل مشنقة فوق صدورهم، كأنهم يعلّقون إعلاناً رسمياً عن احتفاءٍ بالقتل، أو شارة تذكّر العالم بأن جنون التطرف بلغ حدّ تحويل أدوات الإعدام إلى زينة سياسية. وفي ذروة مناقشة قانون لإعدام المعتقلين الفلسطينيين في الكنيست، ارتدى نواب “عوتسما يهوديت” تلك الدبابيس، ليقول بن غفير إنها ترمز لأساليب الإعدام المقترحة. كانت الرسالة واضحة: الرمز ليس زينة، بل إعلان نوايا معلن. وفي لحظة كهذه، يتجسّد انحدارٌ أخلاقي ينذر بأن التحريض لم يعد خطاباً، بل مشروعا مفتوحا نحو ظلامٍ أعمق.

الدبوس والظل القاتم:

ظهر بن غفير وأعضاء كتلته، وبينهم وزير التراث عميحاي إلياهو، وهم يرتدون دبوسا على شكل مشنقة خلال جلسات لجنة الأمن القومي، في خطوة رمزية فاقعة تعبّر عن رغبتهم في فرض قانون الإعدام على الأسرى الفلسطينيين. لكن هذه الشارة لم تكن مجرد إيماءة سياسية؛ بل كانت استعادةً لرمزية استخدمتها الأنظمة الفاشية حين جعلت من أدوات الموت شعارات لبسط السيطرة وبث الرعب في خصومها. إن ارتداء حبل مشنقة في مؤسسة تشريعية يفترض بها حماية الحياة، يُعيد إلى الواجهة تاريخاً دامساً من توظيف الرموز القاتلة لتحديد شكل الصراع ورسم نهاياته.
إنه إعلانٌ بأن المشنقة لم تعد فكرة، بل لغة سياسية جديدة تتغذّى على الخوف وتشرعن وحشيّة مقنّعة.

تشريعٌ يفتح أبواب الظلام:

إن تمرير قانون الإعدام بالقراءة الأولى لم يكن حدثاً تقنياً، بل خطوة حاسمة نحو شرعنة القتل وإباحة الإعدام خارج نطاق القانون. وقد جاءت تصريحات بن غفير بلهجة انتقامية تُظهر تبنّي تياره لخطاب يقوم على الإقصاء والتصعيد والعنف، في انسجام تام مع الفكر الكهاني الذي يستلهمه من فكر مائير كاهانا والذي كان يتبنى طرح ( الموت للعرب ) بالاضافة لرموز التطرف في التاريخ الإسرائيلي.
هذه اللحظة ليست مجرد تشريع، بل انسجام واضح بين السلطة السياسية والفكر الكهاني العنصري، بحيث يحمل في طياته احتمالات خطيرة لتوسيع سياسات القمع والتضييق على الفلسطينيين، وتقليص ما تبقى من مساحة ديمقراطية داخل دولة الاحتلال نفسها.

“رجلٌ يصنع التحريض… ومؤسسة تحتضنه”

يُحمّل الحقوقيون بن غفير مسؤولية استشهاد عشرات المعتقلين الفلسطينيين منذ توليه منصبه، وهو يواصل التحريض على القتل بعلنية غير مسبوقة، محولًا أدوات التعذيب والإعدام إلى رموز يتفاخر بها داخل المؤسسة الإسرائيلية. اليوم، حين يظهر حبل المشنقة على صدر وزير في الحكومة، فإن ذلك يكشف ملامح هوية سياسية جديدة تتشكّل في عمق المشهد الإسرائيلي—هوية متشددة تُعيد إنتاج “الكهانية ” في ثوب رسمي، وتمنح التطرف سلطة القرار.

إنها لحظة تُنذر بأن الخطر لم يعد في الكلمات، بل في السياسات التي تتحول إلى بُنية حكم تؤثر على مستقبل المنطقة برمّتها.

بالختام؛ إن ما يحدث اليوم ليس خلافا سياسياً ولا جدلاً تشريعياً، بل انتقالٌ خطير “من التحريض بالخطاب “إلى “التحريض بالرموز”، ومن “الإشارة “إلى “التنفيذ المحتمل”.
لذلك، تصبح مسؤولية المؤسسات الدولية—وعلى رأسها الأمم المتحدة والصليب الأحمر—مسؤولية عاجلة وملحّة، قبل أن تتحول هذه الرموز إلى جرائم فعلية تُسجَّل لا على أجساد الأسرى فقط، بل على ضمير العالم الذي يقف اليوم أمام اختبار أخلاقي حاسم.