السياسي -متابعات
شهدت مدينة الأقصر،إزاحة الستار عن تمثالين ضخمين من الألبستر للملك أمنحتب الثالث، بعد ترميمهما وإعادة تركيبهما ورفعهما في موضعهما الأصلي بالصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك في البر الغربي بالأقصر، وذلك ضمن مشروع الحفاظ على تمثالي ممنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث، الذي يُعد أحد أكبر مشروعات الترميم الأثري المشتركة، ويستهدف حماية وإحياء أحد أهم معالم الحضارة المصرية القديمة، وفق أحدث الأساليب العلمية والمعايير الدولية المعتمدة في مجال الترميم الأثري.
وجرت مراسم إزاحة الستار بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، وعدد من قيادات وزارة السياحة والآثار والمجلس الأعلى للآثار، وعدد من قيادات المجلس الأعلى للآثار بالأقصر.

ويأتي هذا الحدث ضمن أعمال مشروع الحفاظ على تمثالي ممنون والمعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث، الذي انطلق عام 1998 بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار والمعهد الألماني للآثار بالقاهرة، وبدعم من برنامجي World Monuments Watch وWorld Monuments Fund، وجامعة يوهانس جوتنبرج بمدينة ماينتس، ويهدف إلى حماية ما تبقى من المعبد وإعادته إلى شكله الأصلي قدر الإمكان.

من جانبه، أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار أن أعمال ترميم وتوثيق وإعادة تركيب ورفع التمثالين، التي استمرت قرابة عقدين من الزمن، نُفذت وفق أحدث الأساليب العلمية والمعايير الدولية المعتمدة في مجال الترميم الأثري، مع استخدام مواد متوافقة مع طبيعة الحجر الأثري، بما يضمن الحفاظ على أصالتهما واستدامتهما على المدى الطويل.
وأضاف أن أعمال الترميم شملت دراسات علمية دقيقة وتوثيقًا شاملًا لحالة التمثالين، مع مراعاة الظروف البيئية والمناخية المحيطة بالموقع، واصفًا ما تم إنجازه بأنه خطوة مهمة ضمن خطة متكاملة لإحياء وتطوير مواقع البر الغربي بالأقصر، وتعزيز تجربة الزائرين، مع الحفاظ الكامل على القيمة الأثرية والتاريخية للموقع، مشيراً إلى استمرار أعمال توثيق وترميم الصرح الأول لمعبد الرامسيوم، وقرب الانتهاء من الدراسات اللازمة لتحديد حالة حفظ مقبرة الملكة نفرتاري تمهيداً لإمكانية إعادة فتحها للجمهور.
تحديات
من جانبها، استعرضت مهندسة الموقع أبرز التحديات التي واجهت المشروع، وفي مقدمتها التغير المستمر في منسوب المياه الجوفية صعوداً وهبوطاً، ما استدعى حلولًا هندسية وفنية دقيقة للحفاظ على استقرار الموقع الأثري. وأكدت أن المشروع أسهم في تدريب وتأهيل أكثر من 30 مرمماً مصرياً، إلى جانب استقطاب نحو 10 مهندسين معماريين للعمل في مجال الآثار، في إطار شراكة فعالة بين الخبرات المصرية والدولية.
وأوضحت مديرة المشروع أن البعثة عثرت على مدار سنوات العمل على أجزاء متفرقة من التمثالين داخل الموقع، وكانت في حالة سيئة من الحفظ نتيجة تعرضها للطمي والمياه المالحة، كما تم استعادة عدد من الكتل الجرانيتية المكوّنة لقواعد التمثالين من المتحف المفتوح بمعابد الكرنك.
وأضافت أنه في عام 2006 بدأ فريق العمل في تنظيف التمثالين وترميمهما، وإجراء أعمال المسح الثلاثي الأبعاد، وإعادة تركيب الكتل المتفرقة، إلى أن تم رفع التمثالين في عام 2025 في موضع عرضهما الأصلي بالمعبد، ويبلغ ارتفاعهما ما بين 13.6 و14.5 متراً.
وأشار رئيس قطاع الآثار المصرية إلى أن التمثالين يُجسدان الملك أمنحتب الثالث جالساً، ويداه مستقرّتان على فخذيه، مرتديًا غطاء الرأس “النمس” يعلوه التاج المزدوج والنقبة الملكية ذات الطيات، وتزين ذقنه لحية احتفالية، ويكتمل زيه بذيل الثور التقليدي، ويصاحبهما عدد من تماثيل الملكات، تتقدمهن الزوجة الملكية العظمى “تي”، إلى جانب تماثيل للأميرة “إيزيس” والملكة الأم “موت إم ويا”.

وأوضح أن جوانب العرش تزيّنت بمناظر “السماتاوي” التي ترمز إلى توحيد مصر العليا والسفلى، مع بقايا ألوان أصلية ما زالت ظاهرة على بعض العناصر الزخرفية.
ويُذكر أن مشروع الحفاظ على تمثالي ممنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث أسفر عن ترميم وإعادة تركيب ورفع عدد من التماثيل والعناصر المعمارية، من بينها زوج من التماثيل الجالسة المصنوعة من الكوارتزيت عند مدخل الصرح الثاني، وتمثالان ملكيان واقفان من الكوارتزيت عند البوابة الشمالية لحرم المعبد.
كما شملت الأعمال تنفيذ نظام شامل لخفض منسوب المياه الجوفية، أسهم في خفض مستوى الأرض بنحو ثلاثة أمتار، ما أتاح إنقاذ الآثار المفككة من الطمي والمياه المالحة وإعادتها إلى مواقعها الأصلية بأمان.
وعُثر خلال المشروع على 280 تمثالاً وأجزاء تماثيل للإلهة سخمت ذات الرأس الأسد، جرى توثيقها وترميمها، وهي حاليًا في انتظار عرضها بفناء الأعمدة بالمعبد، إلى جانب اكتشاف وإنقاذ تمثالين لأبي الهول من الحجر الجيري، مع استمرار أعمال ترميمهما، فضلًا عن وضع خطة شاملة لإدارة الموقع وحمايته.
ويعود تشييد المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث، المعروف بـ”معبد ملايين السنين”، إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، واستغرق بناؤه نحو 39 عامًا من فترة حكمه، ويُعد أكبر المعابد الجنائزية وأكثرها ثراءً في عناصره المعمارية والتجهيزية.
وقد تعرض المعبد لانهيار واسع جراء زلزال عنيف وقع عام 1200 قبل الميلاد، ثم استُخدمت بقاياه كمحجر في عصور لاحقة، قبل أن تغمره السيول وطبقات الطمي النيلي عبر الزمن، ولم يتبقَّ من معالمه الأصلية قائمة سوى التمثالين العملاقين للملك أمنحتب الثالث عند مدخل حرم المعبد، المعروفين بتمثالي ممنون، فيما ظلت باقي آثاره مدمرة وغارقة في المياه المالحة، قبل أن تنجح أعمال المشروع في إنقاذها وإحياء الموقع من جديد.







