السياسي – قال مقال تحليل لمعهد “كوينسي” الأمريكي إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تمارس التطهير العرقي في كل مناطق قطاع غزة في إطار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 13 شهرا، مشددا على أن ذلك يكرس دولة الاحتلال بوصفها منبوذة على الصعيد الدولي ولن ينجح في تحقيق هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية.
وذكر المعهد أن الجهود الإسرائيلية الرامية إلى القضاء أو طرد السكان الفلسطينيين من قطاع غزة ــ وهي الجهود التي كانت واضحة منذ وقت مبكر من حرب الإبادة الجماعية ـ تقترب من تحقيق هدفها في الجزء الشمالي من القطاع.
وقد أشار المسئولون الإسرائيليون إلى المزيد من الدلائل على أن هذا هو هدفهم بالفعل. ففي الأسبوع الماضي، صرح عميد في قوات الجيش الإسرائيلي للصحافيين الإسرائيليين بأن الجيش بطرده للسكان من هذه المنطقة، التي تضم مدينة بيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين، لا ينوي السماح لهم بالعودة أبداً.
وأضاف الجنرال أن “إسرائيل” لن تسمح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى هذا الجزء من القطاع لأن “المدنيين لم يعودوا موجودين”.
وجميع التقارير التي تتحدث عن ما يحدث على الأرض، على الرغم من التدابير الإسرائيلية الرامية إلى عرقلة التغطية الإعلامية من منطقة الحرب، تتفق مع حملة تطهير عرقي.
وقد تمكن مراسلو صحيفة هآرتس الإسرائيلية من تأكيد عمليات الطرد القسري. وأكدت تقارير أخرى غياب المساعدات التي تدخل شمال غزة، مع احتمالات المجاعة الناتجة عن ذلك.
-صور مألوفة لحرب الإبادة
قال معهد إن الصور السائدة من شمال غزة هي جزئياً تلك التي أصبحت مألوفة قبل عام، حيث نرى المباني وقد تحولت إلى أنقاض، وصور السكان وهم يبتعدون عن منازلهم حاملين معهم ما لا يتعدى القليل من ممتلكاتهم.
وتشبه الصور الأخيرة تلك التي التقطت أثناء التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين في وقت سابق عند حدوث النكبة عام 1948.
وعلى الرغم من النفي الإسرائيلي، فإن ما يحدث يبدو وكأنه نسخة من ” خطة الجنرالات “، وهي الاقتراح الذي قدم إلى حكومة بنيامين نتنياهو في سبتمبر/أيلول ثم تسربت تفاصيله.
ويدعو هذا الاقتراح إلى قطع الإمدادات عن الجزء المعني من قطاع غزة وإخطار كل من يعيش هناك بضرورة مغادرته وإلا فسوف يعتبر مقاتلاً معرضاً للهجوم.
ورغم أن التركيز الحالي للعمليات الإسرائيلية يتركز في الشمال، فإن الكثير مما كان الجيش الإسرائيلي يقوم به في مختلف أنحاء قطاع غزة خلال العام الماضي كان متسقاً مع التطهير العرقي.
أما السكان الذين لم يُقتَلوا على الفور فقد تركوا في أرض قاحلة غير صالحة للعيش. إذ دمر الهجوم الإسرائيلي أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والمرافق، وخدمات الطوارئ، ومعظم البنية الأساسية الأخرى اللازمة لوجود أي مجتمع.
-الدعوة لعودة الاستيطان
قال المعهد إن زعماء حركة الاستيطان اليهودية في الضفة الغربية المحتلة حريصون على توسيع المستوطنات إلى قطاع غزة.
وتركز خطة الجنرالات على الأمن بشكل أكبر، حيث تهدف إلى تحويل الجزء من القطاع إلى منطقة عازلة تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأبرز المعهد أنه في ظل تعرض حكومة نتنياهو لانتقادات محلية بسبب حدوث هجوم طوفان الأقصى، فإن مثل هذا الترتيب سوف يكون بمثابة “إنجاز” يمكن الإشارة إليه على الرغم من استحالة تحقيق الهدف المعلن المتمثل في “تدمير” حماس والمقاومة.
كما أكد أن هذا الترتيب لا يفعل إلا القليل أو لا شيء على الإطلاق لمنع أشكال أخرى محتملة من المقاومة الفلسطينية.
وقد أدت التغييرات السياسية الأخيرة داخل “إسرائيل” إلى جعل حكومة نتنياهو أكثر ميلاً إلى المضي قدماً في التطهير العرقي في غزة.
أقال نتنياهو وزير الجيش “يوآف جالانت”، الذي كان يؤيد وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يشمل إعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقين وقال إنه “لم يتبق شيء” للجيش الإسرائيلي للقيام به في غزة.
وقد استبدله نتنياهو بوزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي يعتبر على نطاق واسع رجلاً مطيعاً تحت سيطرة رئيس الوزراء الإسرائيلي.
كما أعطى التطور السياسي في الولايات المتحدة ــ الانتخابات التي أعادت دونالد ترامب إلى السلطة ــ نتنياهو حرية أكبر لمواصلة التطهير العرقي.
وكان سجل ترامب في ولايته الأولى في إعطاء حكومة نتنياهو كل ما تريده تقريبا سببا في جعل فوزه هذا الشهر يحظى بشعبية كبيرة في “إسرائيل”.
وقد كان الجانب الآخر من سياسة ترامب في الشرق الأوسط خلال ولايته الأولى، إلى جانب الاحترام الشديد لنتنياهو، هو العداء الموحد للفلسطينيين، بدءًا من إغلاق المكتب الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن إلى إلغاء تمويل وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ومن المرجح أن ترامب سوف يضغط على نتنياهو لإنهاء هجوم إسرائيل على غزة (وكذلك هجومها في لبنان) عاجلاً وليس آجلاً، ولكنه سوف يفعل ذلك بينما لا يقول ولا يفعل أي شيء نيابة عن الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
إن تفضيل ترامب المعلن هو أن “تنهي إسرائيل المهمة” في غزة. والتطهير العرقي يشكل جزءاً رئيسياً من “المهمة” التي تقوم بها دولة الاحتلال حالياً.
وإنهاء هذه المهمة يعني استكمال التطهير العرقي في الطرف الشمالي من قطاع غزة، حتى لو كان ذلك يعني تأجيل تحقيق خطط إسرائيلية أكثر طموحاً لإفراغ بقية القطاع من سكانه الفلسطينيين إلى يوم آخر.
فضلاً عن القضايا الأخلاقية والقانونية الواضحة التي ينطوي عليها هذا الأمر، فإن التطهير العرقي الذي تمارسه “إسرائيل” في غزة يخلف عواقب أخرى على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية. ولن تنتهي المقاومة الفلسطينية ولن تؤدي الإجراءات الإسرائيلية المتطرفة إلا إلى زيادة الغضب والرغبة في الرد.
وبما أن استعباد “إسرائيل” للفلسطينيين كان المصدر الأكبر لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ــ كما يتبين من جديد من خلال كيفية نشوء الحرب الحالية في لبنان ــ فإن الشكل المتطرف من الاستعباد، الذي يتمثل في التطهير العرقي، من شأنه أن يدعم هذا النوع الأوسع من عدم الاستقرار.
وخلص المعهد إلى أن “إسرائيل” سوف تصبح منبوذة على المستوى الدولي، وإلى الحد الذي تنضم فيه الولايات المتحدة إلى هذه التصرفات، من خلال الاستمرار في توفير الأسلحة والغطاء الدبلوماسي، فإنها سوف تصبح على نحو متزايد هدفاً للازدراء الدولي. وتتراوح العواقب المحددة بين مقاطعة الشركات الأميركية والهجمات ضد المصالح الأميركية والمواطنين الأميركيين.