مقترحات بايدن الإسرائيلية.. وهل الشيطان يكمن في التفاصيل؟!

إسماعيل جمعة الريماوي

بدت مقترحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي قدمها مساء الجمعة الماضية للتهدئة في غزة، بشكل عام غامضة إلى حد كبير، حيث لم توضع النقاط على الحروف بشكل واضح. وحتى مساء الجمعة، لم يتم الكشف عن نص مكتوب محدد لهذه المقترحات التي زعم بايدن أن الوسطاء العرب قد قدموها إلى حركة حماس.

يبدو أن هناك شبه إجماع في إسرائيل على عدم إنهاء الحرب في غزة حتى يتم القضاء على حماس، مما يشير إلى أن مقترح الرئيس جو بايدن يحتوي على درجة كبيرة من الغموض التي تستدعي توضيحاً وخطة واضحة بشكل كبير، خاصة مع استمرار حكومة نتنياهو في التلاعب بالألفاظ والتصريحات.

فوفقاً لصحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، أشار “أوفير فولك”، كبير مستشاري نتنياهو للسياسة الخارجية، إلى أن اقتراح الرئيس الأمريكي جو بايدن هو “صفقة وافقنا عليها”، مؤكداً أنها ليست اتفاقاً جيداً ولكنهم يرغبون بشدة في إطلاق سراح الرهائن. وأضاف أن هناك الكثير من التفاصيل التي يتعين العمل عليها، مشيراً إلى أن الشروط الإسرائيلية، بما في ذلك “الإفراج عن الرهائن وتدمير حماس” لم تتغير.

وفي سياق المضمون، أوضح فولك أن إسرائيل لم توافق على وقف الحرب، وأن الأمر المهم بالنسبة لهم هو إطلاق سراح الرهائن. هنا تكمن المعضلة في التفاصيل، حيث يظهر سؤال مهم حول مصدر المقترحات: هل كانت هذه الأفكار والمقترحات مقترحات أمريكية أم إسرائيلية؟ على الرغم من أن بايدن قدمها على أنها مقترح إسرائيلي، إلا أنه من المهم التساؤل عن سبب عدم تقديم إسرائيل لها بنفسها، وعن مدى جواز دولة أجنبية – حتى وإن كانت أمريكا الحليف المقرب جداً لإسرائيل – لتقديم مثل هذه المقترحات نيابة عن دولة الاحتلال؟!

يبدو أن هناك استراتيجية ضبابية في  الديناميكيات السياسية والإعلامية بين نتنياهو وإدارة بايدن، مما يثير العديد من الأسئلة حول توزيع الأدوار والأهداف المحتملة لكل منهما. إذا كانت المقترحات المذكورة هي فعلاً إسرائيلية، فلماذا يُسرب نتنياهو إلى الصحافة أنها ضعيفة وتعتبر انتصاراً لحماس؟ ولماذا يصدر ديوان حكومته بياناً يؤكد استمرار الحرب حتى تحرير الأسرى؟

بالنسبة للعلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، يبدو أن هناك محاولة لكسر العزلة المفترضة عن إسرائيل من خلال توجيه مقترحات من قبل إدارة بايدن، وهذا يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية تهدف إلى تغيير الديناميكيات السياسية في المنطقة.
التوزيع المحتمل للأدوار بين نتنياهو وبايدن أو بين بايدن والمعارضة قد يكون جزءاً من محاولة لتحقيق أهداف سياسية محددة، مثل كسر العزلة عن إسرائيل أو تحقيق تغيير في السياسات الداخلية أو الخارجية، وإنزال نتنياهو من أعلى الشجرة والسقوف العالية التي وضعها في حربه على غزة والتي لن ولم تتحقق بالانتصار الساحق في غزة.

ويظهر من التصريحات الأخيرة بشأن المقترحات الذي وحول ايقاف الحرب الكثير من الغموض حول عدة نقاط أساسية، وهو ما يثير العديد من الأسئلة والتساؤلات بشأن التفاصيل والشروط المحددة. إذ يتحدث مقترح بايدن عن ضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء، خصوصا الجنود في المرحلة الثانية من العملية، وليس في المرحلة الثالثة.، بحيث أن إسرائيل ستأخذ كل أسراها من دون تحقق شرطين أساسيين تتمسك بهما حماس دائماً وهما الوقف التام للعدوان والانسحاب الكامل من غزة.

كما يظهر الاقتراح غبن وغموض بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة في المرحلة الأولى، حيث يتعين أن يتضمن النص بشكل واضح ولا لبس فيه انسحابًا كاملاً من كل قطاع غزة من دون البقاء في أي منطقة أو شريط حدودي، فما مصير احتلال القوات الإسرائيلية لمحور فيلادلفيا على طول حدود قطاع غزة مع مصر أو معبر رفح؟! عدم وجود نقاط واضحة حول هذه النقطة يجعل الصورة غير كاملة، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤلات بشأن متطلبات الانسحاب الإسرائيلي والشروط التي يتعين توفرها لتحقيق هذا الانسحاب.

في المقابل، يظهر موقف قوى المقاومة بوضوح في استعدادها للتوصل إلى اتفاق شامل يشمل وقف العدوان وانسحاب إسرائيل وإعادة الإعمار. ورغم ذلك، يحسب لها عدم رفض المقترحات الأمريكية، إلا أنها تترك الأمور مفتوحة لمراقبة رد الفعل الإسرائيلي الرسمي، مما يعكس تحفظًا حذرًا تجاه الإيجابية المطلقة قبل التأكد من التزام إسرائيل وتحقيق الشروط المطلوبة.

إذ تبدو مقترحات بايدن وتوقيتها، على الرغم من الغموض والالتباس في بعض بنودها، ذات أهمية وتحتاج إلى أن تخضع لدراسة ونقاش جاد من قبل الفلسطينيين. فهذه المقترحات تكشف عن مجموعة من القضايا التي يجب مناقشتها بعناية، من بينها إدراك الولايات المتحدة لفشل إسرائيل في تحقيق النتائج المرجوة على الرغم من الدعم الأمريكي المفتوح. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تدخل إدارة بايدن في عملية سياسية مع المعارضة الإسرائيلية بهدف إسقاط حكومة نتنياهو، الذي أصبح مصدر قلق بالنسبة للمصالح الأمريكية.

وهذا يتطلب من الوسطاء مصر وقطر إجراء اتصالات مع القوى الفلسطينية وبلورة موقف موحد يساعد في إتمام صفقة مع إسرائيل، وأن الموقف النهائي يظلّ رهن تسلّم ورقة مكتوبة تحوي كل ما ورد على لسان بايدن، مع إعلان إضافي يحمل ضمانات واضحة وكاملة ومعروفة وقابلة للتنفيذ، من قبل الولايات المتحدة، بما يضمن إلزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق و رغم ذلك كيف يمكن الوثوق في الجانب الأمريكي كوسيط رغم كونه الداعم الأول لإسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

شاهد أيضاً