السياسي – أعلن دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان.
وبهذا الإعلان، حقق ترامب مكسبًا سياسيًا كبيرًا لإدارته في توقيت بالغ الصعوبة داخليًا وخارجيًا، لا سيما في ظل المخاطر المتكررة التي تثيرها المواجهات بين إسلام آباد ونيودلهي على خلفية النزاع التاريخي حول إقليم كشمير، وكون البلدين قوتين نوويتين في محيط إقليمي معقَّد يمتد من الصين إلى روسيا. هذا الواقع يجعل خطر توسع الصراع قائمًا بقوة، وهو ما يُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن العالمي.
وكان ترامب في حاجة ماسة إلى هذا الإنجاز الدبلوماسي لترميم صورة إدارته المحاصرة بسلسلة من الأخبار السيئة، سواء على صعيد أداء الاقتصاد، أو أزمة الرسوم الجمركية وتداعياتها على القدرة الشرائية للأمريكيين، فضلًا عن تعثر جهود الوساطة التي يقودها فريقه بشأن الحرب في أوكرانيا. فوعود ترامب خلال حملته الرئاسية السابقة أن بإمكانه إنهاء الحرب في يومه الأول في البيت الأبيض اصطدمت بتعقيدات الواقع.
فشل وساطة ترامب في أوكرانيا، وعدم قدرته، حتى الآن، على تقريب وجهات النظر بين موسكو وكييف، زادا من الشكوك حول جدية الدور الأمريكي، بل إن بعض كبار المفاوضين الأمريكيين بدأوا يشككون في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة بعد تصريحات نائب الرئيس جي دي فانس التي زعم فيها إن بوتين يريد “أوكرانيا بالكامل”.
أمام هذه التطورات، تسعى الإدارة الأمريكية إلى إعادة ترتيب أولوياتها بعد أن أدركت أن الوساطة بين روسيا وأوكرانيا استنزفت الكثير من الوقت والجهد دون جدوى، ما دفع نائب الرئيس إلى دعوة الطرفين إلى مفاوضات مباشرة بدلاً من الاعتماد على وساطة أمريكية غير مثمرة.
زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى الهند لم تكن محض صدفة، إذ ترى الإدارة أن هناك عدة دوافع مهمة، أبرزها العلاقة الشخصية التي تربط ترامب برئيس الوزراء الهندي، والتي تعود إلى فترة ولايته الأولى.
وكان لافتًا أن يكون المسؤول الهندي من أوائل الزعماء الذين زاروا البيت الأبيض بعد عودة ترامب إلى السلطة، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية الكبيرة التي أُطلقت بين البلدين، خاصة في مجالات التكنولوجيا، ما يعكس رهانًا أمريكيًا إستراتيجيًا على الهند كحليف في منطقة تشهد تناميًا متسارعًا للنفوذ الصيني.
كما أن الهند تحظى بزخم كبير في أجندة الإدارة الحالية، ويتجلَّى ذلك في إيفاد نائب الرئيس فانس إلى نيودلهي برفقة أفراد عائلته، ليكون أرفع مسؤول أمريكي يزورها في عهد هذه الإدارة. ومن اللافت أن زوجة فانس تنحدر من أصول هندية، وهو ما أعطى بعدًا شخصيًا إضافيًا للعلاقة.
وقبل أسابيع قليلة من الإعلان عن الاتفاق، وقع هجوم دامٍ على أراضٍ باكستانية أسفر عن مقتل وإصابة عشرات السياح الهنود، وهو ما أجّج شرارة المواجهة العسكرية بين حليفين تقليديين للولايات المتحدة.
-إسلام آباد.. حليف تاريخي وشريك أمني
تُعد إسلام آباد شريكًا إستراتيجيًا لواشنطن، خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تنوعًا وتوسعًا كبيرًا، لا سيما في ظل الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان. فقد كانت القوات الأمريكية تخوض هناك واحدة من أطول حروبها ضد تنظيم القاعدة وطالبان، قبل انسحابها في السنوات الأخيرة.
وخلال أكثر من عقدين، ظلت إسلام آباد شريكًا أمنيًا مهمًا، وحرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحفاظ على قنوات التواصل معها باستمرار.
-الحرب الحالية وحسابات ترامب
في ضوء تلك الخلفية، لم يكن ترامب بحاجة إلى اندلاع حرب جديدة بين اثنين من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، خاصة في الأشهر الأولى من ولايته الثانية. لذلك، أبدى الكثير من الاستغراب حيال الأخبار الواردة عن التصعيد على الحدود الباكستانية الهندية، وأعرب عن عدم اقتناعه بمبرراته منذ اللحظة الأولى.
وخلال رحلته إلى العاصمة الإيطالية روما للمشاركة في جنازة البابا الراحل، علّق ترامب للمرة الأولى على الأزمة، قائلًا إن “بين البلدين تاريخًا طويلًا من النزاع، وهما يعرفان كيف يتوصلان إلى اتفاق”.
كما حرص ترامب على الحفاظ على مسافة متساوية من الطرفين، وترك لهما معالجة الخلاف بأنفسهما، غير أن التصعيد العسكري بينهما، الأسبوع الماضي، دفعه إلى وصف الوضع بأنه “مخجل”.
في أعقاب هذه التطورات، كثّفت واشنطن تحركاتها الدبلوماسية، حيث أجرى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالوكالة، ماركو روبيو، سلسلة اتصالات مع نظيريه الهندي والباكستاني، واستمرت خطوط التواصل مفتوحة حتى أعلن ترامب عن التوصل إلى اتفاق فوري لوقف إطلاق النار بين الجارتين النوويتين.