مكوكية بلينكن الثامنة

عمر حلمي الغول

زيارة ثامنة لرئيس الديبلوماسية الأميركي، أنتوني بليكن خلال الشهور ال8 الماضية للمنطقة لإعادة هندسة المسار الفلسطيني الإسرائيلي بما يخدم الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية، وهيكلة العلاقات العربية الإسرائيلية عبر فتح بوابة التطبيع مع المملكة العربية السعودية وفق محددات المصالح الحيوية الأميركية. وأفترض بعض المراقبين، ان مكوكية الزيارات لوزير خارجية واشنطن الراهن تشبه لحد بعيد زيارات هنري كيسنجر، وزير خارجية اميركا في إدارة الرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، وأعتقد ان وجه الشبه يقتصر على الشكل بالزيارات وفي تابعيتهما لليهودية الصهيونية والعمل على تعزيز مكانة اسرائيل، لكنهما يختلفان في الكاريزما الشخصية، والخلفية الفكرية والدهاء السياسي لصالح كيسنجر، وبالتالي في إدارة الصراع العربي الصهيوني، وإخراج مصر منه، والتأصيل لهدم البناء الرسمي للمنظومة العربية، والذي تكرس في اعقاب حرب الخليج الثانية مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولم يبق منها سوى الاسم فقط والبيانات المشتركة، التي لا تساوي الحبر الذي تكتب به. بالنتيجة بلينكن ليس كيسنجر، والعكس صحيح.
وبالعودة لزيارة وزير خارجية بايدن الحالية، التي بدأت بزيارة القاهرة واللقاء مع الرئيس السيسي اول أمس الاثنين 10 يونيو الحالي، اعقبتها مساء نفس اليوم زيارة تل ابيب واللقاء مع نتنياهو وغالانت، وبعدها سيتوجه الى الأردن واللقاء مع الملك عبد الله وايمن الصفدي وأخيرا التوجه لقطر واللقاء مع الأمير تميم ومحمد بن عبد الرحمن ال ثاني، وتهدف الزيارة وفق الوزير الأميركي الى الدفع باتجاه إقرار مشروع القرار الأميركي، الذي جرى التصويت عليه مساء يوم وصوله لمصر وإسرائيل، وحصد 14 صوتا وتحفظ روسيا الاتحادية على القرار رقم 2735، الذي يتكون من 3 مراحل لوقف اطلاق النار والافراج عن الرهائن واسرى الحرب الفلسطينيين وإعادة الاعمار لما دمرته حرب الإبادة الجماعية على مدار 250 يوما، والذي اعلن عنه الرئيس بايدن الجمعة 31 مايو الماضي. بالإضافة لما صرح به المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر يوم الجمع الماضي 7 يونيو الحالي من سعي الإدارة لمنع توسيع رقعة الصراع في الإقليم، على الأقل حتى تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية. لان الولايات المتحدة معنية بإعادة ترتيب وصياغة معالم الإقليم وفق اهدافها دون زيادة التكاليف العسكرية، الا إذا اضطرت لذلك.
وتأتي زيارة بلينكن بالتزامن مع استقالة غانتس وايزنكوت من مجلس حرب الإبادة يوم الاحد 9 يونيو الحالي، رغم ان الإعلان عن خطوة زعيم كتلة المركز مع قرينه المستقيل سابقة للزيارة، الا ان الاستقالة عشية وصول الوزير الأميركي تحمل دلالة سياسية، وأيضا توافقت مع طرح مشروع القرار الأميركي على التصويت في مجلس الامن، الذي أُقر، وبعد ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجزرة النصيرات التي راح ضحيتها 274 شهيدا وما يزيد عن 600 جريح، التي شاركت فيها بشكل مباشر القوات الأميركية من الرصيف المائي لوجستيا وأمنيا وعسكريا، وقتلت نحو 150 مواطنا فلسطينيا، وهي من سهل ورتب دخول القوات الخاصة الإسرائيلية الى النصيرات. رغم نفي البنتاغون ذلك مؤخرا.
وما تقدم من رسائل أميركية عشية الزيارة المكوكية الثامنة يهدف الى الضغط على رئيس حكومة الحرب الاسرائيلية نتنياهو ليعيد ترتيب أوراقه الداخلية، وينظم انسحابه من دوامة حرب الإبادة، ويتخلى عن اقرانه الفاشيين سموتيريش وبن غفير. لان استمرارها (الحرب) لم يعد في مصلحة بايدن وادارته، ولا في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية، ولكنها تخدم مصالح الحاوي الإسرائيلي واقرانه المذكورين. وكان رد رئيس حكومة الحرب على الرسائل الأميركية الانحياز لتحالفه الحكومي، وائتلافه البرلماني حيث صوت 63 نائبا لصالح عدم تجنيد الحريديم في الجيش، وأيضا اصدار بيان عن مكتبه بأن الحرب لن تتوقف الا بعد تحقيق أهدافها، وهو ما يكشف عن افلاس واشنطن في الزام زعيم الليكود بوقف الحرب، وتصريح بلينكن عقب لقائه نتنياهو، من ان إسرائيل موافقة على المقترح الأميركي، الذي هو إسرائيلي الاعداد والإخراج، ليس سوى كذبة كبيرة، والتفاف على الدول التي صوتت على المشروع الأميركي لذر الرماد في عيونهم، ولتحميل اذرع المقاومة المسؤولية المباشرة والمسبقة عن مواصلة حرب الإبادة الجماعية على الشغب الفلسطيني.
اعتقد ان نتائج زيارة رئيس الديبلوماسية الأميركية واهية ومحدودة، ولم تحقق ما أراده البيت الأبيض، لان نتنياهو يراهن على محاصرة الرئيس الأميركي في عقر داره من خلال القائه كلمته امام مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين 24 يونيو الحالي، وسيبقى يناور حتى انقشاع غيوم الانتخابات الرئاسية الأميركية ويطمئن لرحيل إدارة بايدن، ووصول الرئيس الجمهوري القديم الجديد ترامب لسدة الحكم، هو ما يعطيه المساحة الزمنية التي يريد للإطالة امد الحرب، وتحقيق غاياته

شاهد أيضاً