يبدو أن الحضيض الذي بلغته إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بات بلا قاع .
فخطاب نتانياهو في الكونغرس الأمريكي بتاريخ 24/7/2024 – الذي يتزامن مع حرب الإبادة الجماعية للإنسان والمكان والمتواصلة لأكثر من تسعة أشهر ونصف على التوالي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية، وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من 50 ألف شهيد ومفقود وأكثر من 90 ألف جريح فلسطيني ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال والشيوخ ، واستغرق نحو 54 دقيقة وهو الخطاب الرابع له أمام الكونغرس الأمريكي – واللافت فيه تغيب نحو تسعين نائبا من الحزب الديمقراطي من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ – والحشود الجماهيرية المعارضة والمنددة خارج مبنى الكونغرس ، وفي ساحات الاحتجاج في الكيان الصهيونى. في مفارقة بالغة الدلالة لانفصال النخب السياسية الأمريكية والإسرائيلية عن الواقع.
وتصفيق الحاضرين من ممثلي الشعب الأمريكي – غير المسبوق تاريخيا في وتيرته حتى لزعماء أعتى الدكتاتوريات. ما يستحق معه دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية في الوقوف والتصفيق أكثر من الجلوس – أكبر دلالة على الهوة السحيقة التي بلغها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري .
المشرعون في الدولة الأمريكية العتيدة التي ما تزال تتسيد النظام الدولي يصفقون بإعجاب ملفت لمجرم الحرب نتانياهو وهو :
– يستعرض بافتخار نماذج جنود جيشه الذين اصطحبهم للكونغرس للتدليل على تنوع إسرائيل الإثني والديني والعقائدي . فاللافت أنهم من المسلمين والدروز والأثيوبيين المصابين في الحرب . الذين، كما يقول ، يدافعون بشجاعة نادرة عن الدولة اليهودية التي يقر قانونها بحصرية حق اليهود في تقرير المصير .
– ويتقمص دور الضحية التي نهضت بعد قرون طويلة من الاستهداف لليهود/ دون أن يذكر الأوروبيين/ ، وباتت بعد إنشاء إسرائيل قوة لا تقهر.
– ويوبخ الشعب الأمريكي الذي تتجرأ بعض مكوناته، وخصوصا مثقفيه وطلبته ومناصري الحرية وحقوق الإنسان على معارضة حرب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها المستعمرة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الأصيل .
– ويهاجم إدارات جامعات النخبة – ويخص هارفارد و MIT بالإسم – لإخفاقهما في فهم السياق التاريخي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
– ويتهم من يطالب بالحرية والمساواة في فلسطين من البحر إلى النهر بالجهل وبالعداء للسامية .
– ويلوم الإدارة الأمريكية ، التي يذكر رئيسها بايدن بأنه كان قد افتخر منذ زمن بصهيونيته، على التقصير في دعمه لتمكينه من الانتصار بعد أكثر من تسعة أشهر من إبادة الانسان والمكان والذاكرة في قطاع غزة المحتل والمحاصر .
– ويحمل إدارته مسؤولية التأخير في تحقيق الانتصار الإسرائيلي لتأخيره شحنة القنابل الثقيلة.
– ويثني على المرشح الجمهوري دونالد ترامب لاعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية ، وبالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها ، وقيادة عملية التطبيع وإبرام اتفاقات أبراهام قبل تسوية الصراع.
– ويذكر الشعب الأمريكي وممثليه بأن لإسرائيل وجيشها الفضل في حماية بلدهم الولايات المتحدة الأمريكية، وإبقائها بعيدة عن ميدان القتال في الشرق الأوسط .
– وأن مصيرها وعموم الغرب يرتبط بإسرائيل ،
– وأن مستقبلهم رهن بتمكين إسرائيل من الانتصار الكامل على جميع أعدائها .
– ويذكرهم بالنهج الذي اثبت جدواه وقاد للانتصار في الحرب العالمية الثانية الذي أدى لاستسلام ألمانيا واليابان بالكامل ، في دعوة لمحاكاته.
نبي النور المكابي الجديد نتانياهو يدعو العالم من الكونغرس الأمريكي لتحالف أبناء الحضارة الغربية ضد الهمجيه .
ويطالب بتشكيل تحالف إبراهيمي بين أبناء النور ضد أبناء الظلام .
وممثلوا الدولة الأمريكية العظمى – المنتخبين ديموقراطيا – يصفقون للنبي الجديد لإعلانه الحرب على مؤسسات العدالة الدولية المناهضة لحرب الإبادة والمطالبة بنفاذ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. وعلى كل من تسول له نفسه بانتقاد “إسرائيل ” دولة الشعب اليهودي الذي اصطفاه الخالق دون سائر البشر . والتي تنفرد عن باقي دول العالم بالأخلاق، حيث لا تلحق الأذى -مثل سواها -بالمدنيين أثناء الحرب . في انكار كامل وتنكر لمسؤوليتها عن حروب الإبادة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية للعقد الثامن على التوالي.
ويحذر الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب بأن هزيمتهم حتمية ما لم تنتصر إسرائيل على جميع أعدائها . ويتعهد بتحقيق النصر الكامل رغم الضغوط ، التي لن يخضع لها مهما طال الزمن .
النتيجة الاهم التي يمكن استخلاصها من شكل ومضمون خطاب نتانياهو المنفصل عن الواقع الذي بات يدركه العالم أجمع ، وطريقة تفاعل أعضاء الكونغرس الأمريكي معه. أن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري يسارع الخطى نحو الأفول.