من حصرية السلاح إلى حصرية المواجهة

رفيق خوري

كان لينين يقول إن “السياسة ليست مثل شارع نيفسكي”. والمقصود أن السياسة ليست خطًا مستقيمًا مثل شارع نيفسكي الطويل المستقيم في بطرسبرغ. وأيام “الزمن الجميل” في لبنان كان رئيس الحكومة الحاج حسين العويني يقول إن السياسة “هيك وهيك” ويرد عليه البعض بأنها “لا هيك ولا هيك”. وليس اكتشافاً ما نراه ونسمعه اليوم في مسألة حصرية السلاح في يد الدولة والتي انتقلت من شعار إلى قرار ثم إلى مسار. فالشعار ثابت. والقرار في مجلس الوزراء صامد. والمسار على الأرض متعرّج.

لا تراجع في الموقف الرسمي عن سحب السلاح. لا تراجع في موقف “حزب الله” عن الاحتفاظ بالسلاح والوظيفة والدور. لا تراجع في الموقف الأميركي الضاغط للإسراع في سحب السلاح كشرط مرتبط بمستقبل لبنان والمنطقة. لا توقف في الاعتداءات الإسرائيلية والحديث عن “أيام قتالية” إضافية. ولا أحد يعرف إلى أي حد يمكن بقاء اللعبة على حافة الهاوية. فالمسار جنوب الليطاني لا يكتمل بسبب الاحتلال الإسرائيلي. والمسار شمال الليطاني لا يتحرك بسبب التخوّف من صدام داخلي.

لكن حصرية السلاح لها مقدّمات ومتمّمات. المقدمات سياسية. والمتممات وطنية وأمنية وسياسية. من المقدمات إعلان نهاية العمل العسكري من لبنان وطي مرحلة “محور المقاومة” تحت العنوان الفلسطيني وفي خدمة الاستراتيجية الإيرانية. فلا لبنان “الوطن النهائي لجميع أبنائه” حسب الدستور مساحة جغرافية مفتوحة لأن يضرب العدو الإسرائيلي حيث يرید ولأن يستمر “حزب الله” في التسلح تحضيرًا لإسناد أي طرف مرتبط بالمشروع الإقليمي الإيراني على الرغم من قرار مجلس الوزراء في 5 و 7 آب الماضي. ولا التهديد بحرب أهلية دفاعًا عن السلاح في غياب الطرف الآخر سوى استعداد لصدام مع الجيش، وسط حرص المسؤولين على تجنب الصدام مع “الحزب” لسحب السلاح.

ومن المقدمات أيضًا بعد إعلان الدولة استعادتها قرار الحرب والسلم وتكليف الجيش وحده مهمة الدفاع عن لبنان، أن يؤكد مجلس الوزراء أنه لا حق لأي طرف بحمل السلاح بحجة المقاومة غير المطلوبة. فضلًا عن رفض الإدعاء بأن سحب سلاح “الحزب” هو سحب “عنصر القوة” من لبنان، لأن السلاح صار مصدر الخطر وثبت في “حرب الإسناد” أنه عاجز عن الحماية، ولأن أقوى قوة في لبنان هي الوحدة الوطنية، وليست تمييز فريق واحد نفسه عن بقية اللبنانيين بحمل السلاح وتوصيف أهل بيئته بأنهم “أشرف الناس”.

ومن المتممات لقرار سحب السلاح إلغاء أساس الدويلة التي كادت أن تأكل الدولة، وبالتالي التركيز على بناء مشروع الدولة الوطنية، دولة الحق والعدل. فلا مافيا مالية وسياسية وميليشياوية تمنع الإصلاح المالي والاقتصادي والنظامي دفاعًا من مصالحها. ولا قناة لتداول المال خارج النظام المصرفي اللبناني بإشراف المصرف المركزي. لا برلمان له مفتاح في ید رئیسه كأنه مفتاح بيته. ولا قضاء يحاکم المحقق العدلي لشلّه عن التحقيق في تفجير المرفأ، ويصمت عن التهديد بـ “قلع” المحقق لمنعه من كشف المسؤولين عن الجريمة الكبيرة.

وبکلام آخر، فإن حصرية السلاح تبدأ من حصرية المواجهة بيد الدولة.

“ومن دون تدمير لن يكون هناك بناء” كما قال ماوتسي تونغ.

* نقلا عن “نداء الوطن”