أستاذ الإعلام والاتصال – الجزائر
من المقولات الشائعة في الأوساط الدينية والعلمية وحتى الشعبية أن (الاختلاف رحمة)، حيث يتم تداولها على أنها حديث للرسول صلى الله عليه وسلم أو قول مأثور عن السلف للاستدلال الخاطئ؛ خاصة في حالات الصراع الديني أو الإيديولوجي وذلك لتخفيف وطأة الخلاف والتشرذم، ولتبرير أن أي اختلاف في الحُكم أو الرأي ليس أمرا سيء بل هو أمر حسن أو بالأحرى مطلوب؛ فمن قال أن الاختلاف رحمة؟.
على عكس المعتقد لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المقولة؛ ولم يحثنا إلا على التزام الجماعة والشورى ونبذ الرأي والهوى والتشرذم وليس على الاختلاف المفضي للخِلاَف، وعلى ما أظن أن الاختلاف كمفهوم وممارسة لم ولن يكون رحمة على العكس من ذلك فالاختلاف ضِيقٌ وغُبن؛ تَشتُتٌ وفُرقَة؛ ودليل من يستدل بالمقولة ترديد خُرَافَة أنّ “الاختلاف في الرأي لا يفسد للوِدِ قضية” عند انقضاء حلقات النقاش الحادة؛ هذا ما يؤكد أن الاختلاف قد أفسد الكثير وزرع الشك في النوايا بين المتحاورين؛ لأننا في الحقيقة نفسد كل القضايا والعلاقات ونحولها إلى خلافات شخصية بالإقصاء والتعالي؛ وعدم تقبل تعدد الآراء واعتبار أي رأي مخالف تهديدا صريحا لشخص المحاور، والمُلاحِظ للمشهد العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي -مثلا- لابد له أن يُصدَمَ بأن أغلب الحوارات والنقاشات تنتهي بالتحقير والتخوين وتبادل كل الأوصاف القبيحة بين أطراف النقاش.
أما الاختلاف في أوساط العلم وأهله فهو شبهة مع أن الكثير يصوره على أنه سَعَةٌ ورحمة، وهذا ما يجعلنا نشكك في وظيفية استخدام مصطلح (الاختلاف) في هذه المقولة، فما يحصل عند الحوار حول القضايا والمعضلات ليس اختلافا بل تنوع يهدف إلى حل المشكل أو الإشكالية وليس خلق مشكلات أخرى صفرية النتائج، ونبذ الاختلاف لا يعني قمع الرأي الآخر وكبح التفكير النقدي المُمَنهَج، بل على العكس هو حَثٌ على الوصول إلى مَخرَجٍ والدفع إلى انتهاج مبدئ الشورى وليس النقاش العقيم المُفضِي إلى التصادم والفتنة؛ فلا يجب أخذ الأمر بمبدأ الأبيض والأسود بل جعله متنوعا، متعدد الألوان يعتمد على الاجتهاد والإبداع مع ربط هذه الجهود المتضافرة بهدف مشترك، فالاتصال رحمة؛ الحوار رحمة؛ التنوع رحمة وليس الاختلاف.