السياسي – وصل براك حسين أوباما إلى مدرج جامعة القاهرةفي 4 حزيران 2009 ظهراً. كان رئيساً جديداً، محوطاً بهالة انتصاره في الانتخابات، نجماً شعبياً. كنت هناك، بمناسبة مقابلة صحافية، أراد أن يعطيها لمجموعة صغيرة من الصحافيين من دول الشرق الأوسط. كان أحدهم بجلابية بيضاء، خاشقجي، الصحافي الذي قطع إرباً. كان خاشقجي الوحيد الذي تجرأ على مصافحتي والحديث معي هناك، أمام الوجوه المفزوعة لزملائه، لكن ليست هذه هي القصة.
القصة هي عن التشبيه بين الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة في 2009 والخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب الثلاثاء من هذا الأسبوع في قاعة حفلات فاخرة في الرياض. الاختلاف مذهل؛ وكذا وجه الشبه.
“السلام عليكم”، حيا أوباما الحضور في بداية خطابه. “جئت إلى القاهرة لأدعو إلى بداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. لنا مبادئ مشتركة – مبادئ العدل والتقدم، والتسامح والاحترام لكل إنسان”.
كانت القاعة الكبرى مليئة بالطلاب الذين رددوا الهتافات على كل نقطة طرحها أوباما، باستثناء المقطع الذي تحدث فيه عن التزام أمريكا بإسرائيل. الرئيس المصري حسني مبارك، اختار ألا يأتي: ولم يكن التغيب صدفة.
“الارتباط بين الولايات المتحدة وإسرائيل يقوم على علاقات ثقافية وتاريخية وعلى دروس المحرقة”، قال. “لا يمكن قطعها. من جهة أخرى…”.
كان الفلسطينيون في الجهة الأخرى. “لا يمكن التنكر لحقيقة أن الشعب الفلسطيني عانى كثيراً في كفاحه لأجل الاستقلال”، قال أوباما. تحدث عن عذابات النزوح، وعن الانتظار المضني في مخيمات لاجئين لعصر سلام وآمن، وعن الذل اليوم الذي يتسبب لهم به الاحتلال. “أمريكا لا تعترف بشرعية استمرار المستوطنات”، قال أيضاً. لا شك: وضع الفلسطينيين لا يطاق. أمريكا لن تدير ظهرها لتطلعاتهم إلى دولة خاصة بهم”.
بين الخطاب والمقابلة، تحدثت هاتفياً مع رون يرون، محرر الصحيفة في تلك الفترة. الرد في البلاد جد صعب، روى. بعد المقابلة، تحدثت مع رام عمانويل وديفيد اكسلورد، المساعدين اليهوديين لأوباما. رويت لهما عن الرد. “قلنا له مسبقاً”، رد عمانويل. “لم يوافق على تغيير كلمة”.
الفصل الفلسطيني في الخطاب أشعل الإسرائيليين، لكن العالم العربي أولى أهمية أكبر للفصول الأخرى. أوباما دعا عملياً إلى انقلاب نظامي في العالم العربي. “سيكون التزامي لحكومات تعكس إرادة الشعب”، قال أوباما. “لا تفترض أمريكا أنها تعرف ما هو الخير لكل واحد، لكني أؤمن بأن كل الناس بصفتهم هذه موحدون بالمطالبة ببضعة أمور: حرية التعبير، قدرة تأثير على قرارات الحكومة، ثقة بسلطة القانون ومساواة أمام القضاء، حرية كل إنسان بالعيش كما يشاء. هذه حقوق إنسان. سندعمها في كل مكان”.
كانت هذه هي النقطة التي فهمت فيها لماذا قرر مبارك التغيب عن الحدث. فقد كان يعلم أن أوباما يلعب بالنار. وعندما نشب الربيع العربي بعد أقل من سنتين، كان هناك من حملوا خطاب أوباما المسؤولية عما حصل: هو الذي غرس البذرة.
وكانت النتيجة انهيار أنظمة استبدادية في العالم العربي، بما في ذلك مصر، وحروب أهلية مضرجة بالدماء في ليبيا وسوريا. كل محاولات إقامة أنظمة ديمقراطية تخضع للقانون ولإرادة الجمهور فشلت. عادت الدكتاتوريات؛ وكذا الفساد والفوضى؛ وكذا المس بحقوق الإنسان. الملوك فقط نجوا. وهم استقبلوا بتنفس للصعداء مملكة ترامب.
مكان للأمل
فيما كان خلفه علم السعودية أكثر خضرة من الأخضر، نهض ترامب ليلقي بكلمته. مرة أخرى رئيس جديد، بداية جديدة، تاريخية، وفي العلاقات مع العالم العربي والإسلامي. الرياض تحل محل القاهرة: وهذا لم يكن صدفة. قفز ترامب عن مصر مثلما قفز عن إسرائيل: هو لا يحصي دولاً تحتاج إلى مساعدة أمريكية.
بن سلمان ألقى الخطاب الافتتاحي، كله تملق للضيف. ثم جلس في الصف الأول في جلابية بيضاء على أريكة ملوكية. لم يكن طلاب بين الجمهور، بل رجال أعمال من العالم العربي ومن أمريكا. أناس يرتبطون بحبال المال.
بدأ الخطاب بوابل من الثناء الذاتي على أداء إدارة ترامب في أربعة أشهر، واحتقار تام لولاية سلفه. بعد ذلك، انتقل إلى ثناء لا يقل مبالغة للثورات التي تجري في دول محمد بن سلمان وحكام النفط الآخرين. “العالم يجب أن يفهم”، قال ترامب. “هذا الانتقال الرائع لا يجري نتيجة للضجيج الذي يثيره الغرب، هؤلاء الناس الذين يأتون بطائراتهم الجميلة ويعطون لكم محاضرات منمقة حول كيف تعيشون وكيف تحكمون. تريليونات الدولارات بذرت على هذه الجمعيات الليبرالية، المحافظة الجديدة. الشرق الأوسط الجديد بناه أناس المنطقة أنفسهم. في النهاية، كل أولئك الذين ادعوا بناء الأمم، هدموا الأمم. تدخلوا في حياة مجتمعات مركبة لم يفهموها. قالوا لكم ما تفعلونه، لكن لا فكرة لهم عما ينبغي أن يفعلوه. السلام والازدهار والتقدم لم تأت جراء رفض متطرف لتراثكم، بل جراء تبني التراث الذي تحبونه جيداً. صنعتم معجزة بطريقتكم، الطريقة العربية. هذه هي الطريقة الجيدة”.
اقترح أوباما على حكام العرب حلولاً أيديولوجية: إذا ما حرصوا على حقوق الإنسان، واتبعوا الديمقراطية الليبرالية مع سلطة القانون، وحقوق النساء والأقليات، وإجماع وطني بدلاً من إكراه، فستكون أمريكا معهم. أما ترامب فيقترح عليهم حلولاً شخصية: ولي العهد السعودي رائع، هو يحبه. هو يحبه لدرجة أنه وافق، كبادرة طيبة شخصية، أن يرفع العقوبات التي فرضتها أمريكا على النظام السوري، وأن يلتقي الرئيس السوري، الجهادي السابق، أحمد الشرع.
هذا حل والآخر حل. ومع ذلك، الفارق شاسع: أوباما يقيم موقف السيد الذي ينتهجه على أساس فكر ومشاعر ذنب عميقة بسبب مظالم الاستعمار الغربي والرأسمالية الأمريكية؛ أما ترامب فيعلق كل شيء بعلاقات شخصية وتجارية. من جهة هو انعزالي: ما يحصل في دول أخرى لا يحرك له ساكناً؛ وهو من جهة أخرى مستثمر يلتقط كل صفقة. ليس صعباً أن نتخيل ترامب يقول بعد لقاء مع هتلر، يا له من حاكم رائع وكيف يقود ألمانيا إلى مستقبل لامع.
ليست واثقاً أي من الحلول أكثر ضرراً وخطراً على استقرار منطقتنا ورفاهها. الناس الذين التقت الصحافة بهم هذا الأسبوع في شوارع القاهرة ودمشق والرياض وبيروت، أضفوا هالة على خطاب ترامب. أخيراً، قام رئيس أمريكي يرفض الاستعمار الغربي رفضاً باتاً. وارتفعت أسهم محمد بن سلمان إلى السماء. “القاهرة هي قلب العالم العربي”، قال أوباما في 2009. الرياض هي محفظته، فهم ترامب. رغم بقاء إسرائيل في الخارج، الولد الذي بقي في البيت، ربما لا تبشر لها رحلة ترامب بالخير. صحيح أن إسرائيل فقدت مكانتها أمام أمريكا كدولة قوية ومستقرة والديمقراطية الوحيدة في المنطقة؛ وصحيح أنها كانت تتوقع قراراً بهجوم عسكري على النووي الإيراني لم يتحقق، ولعله لن يتحقق، لكن ثمة أمل: للكراهيات القديمة وللحسابات التاريخية أهمية أقل في الشرق الأوسط الذي يجري على أساس تجاري. الازدهار بدلاً من الثأر، الثمار بدلاً من الدم. هذا هو الفكر الذي حرك حاكم الإمارات محمد بن زايد للمبادرة إلى ما أصبح اتفاقات إبراهيم. لقد أمسك بإسرائيل في هذا الانتقال، وهي مع الحكومة غير الصحيحة في الزمن غير الصحيح. لم يفت الأوان بعد.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 16/5/2025