السياسي – تشهد الولايات المتحدة موجة غير مسبوقة من إفلاس الشركات الكبرى، مع تسجيل أكثر من 371 شركة حالة إفلاس خلال النصف الأول فقط من عام 2025، في أعلى معدل يُسجل منذ عام 2010، بحسب تقرير صادر عن وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس”.
وتعكس هذه الأرقام تصاعدا حادا في الضغوط الاقتصادية التي تواجهها كبرى الشركات الأمريكية، في وقت يتكثف فيه تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين.
-أكثر من نصف الشركات تلجأ لإعادة الهيكلة
بحسب بيانات “S&P Global”، فإن 61% من الشركات المفلسة خلال الأشهر الستة الأولى من 2025 اختارت الدخول في مسارات إعادة هيكلة بدلاً من التصفية النهائية، وهو اتجاه بدأ منذ منتصف 2024 ويتعزز هذا العام، ما يعكس رغبة متزايدة في الإبقاء على استمرارية الأعمال وسط التحديات المالية المتصاعدة.
وسجل قطاع المرافق أعلى نسبة من طلبات إعادة الهيكلة، في حين كانت الشركات المالية في أسفل القائمة، مع ملاحظة أن العديد من حالات الإفلاس في هذا القطاع نتجت عن دعاوى قضائية من الدائنين.
وتُظهر البيانات أن شهر حزيران/يونيو الماضي٬ وحده شهد إفلاس 63 شركة، تزامناً مع إعلان ترامب الدفعة الثانية من الرسوم الجمركية التي استهدفت 14 دولة، بينها اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا.
أما شهر أيار/مايو الماضي فسجل 64 حالة، وجاء ذلك مباشرة بعد دخول رسوم “يوم التحرير” حيز التنفيذ، ما أحدث ارتباكاً في الأسواق.
وتجاوز عدد الإفلاسات في 2025 نظيره في عام 2024 الذي بلغ 335 شركة، كما أنه أكثر من ضعف عدد الشركات المفلسة خلال الفترة نفسها من عام 2022.
-قطاعات منهارة
في تفصيل القطاعات المتضررة، تصدرت شركات الصناعات والسلع الاستهلاكية التقديرية المشهد، حيث سجلت الأولى 58 حالة إفلاس، والثانية 49 حالة، تليها شركات الرعاية الصحية بـ27 حالة، وسط تحذيرات من بلوغ الإفلاسات في هذه القطاعات مستويات حرجة تهدد الاستقرار الاقتصادي.
وتشمل الإحصاءات الشركات التي يبلغ حجم دينها أو أصولها أو التزاماتها مليوني دولار على الأقل، أو الشركات الخاصة التي تمتلك أصولا تفوق 10 ملايين دولار.
-فائدة مرتفعة وتراجع استهلاكي
يشير التقرير إلى أن هذا التدهور يعود إلى عدة عوامل مترابطة، من بينها:
– ارتفاع أسعار الفائدة، الذي زاد من تكاليف الاقتراض وأضعف قدرة الشركات على تمويل عملياتها.
– تباطؤ سوق العمل الأمريكي، ما أدى إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُعد عصب الاقتصاد الأمريكي.
– استمرار التضخم فوق أهداف الاحتياطي الفيدرالي، ما ألقى بظلال سلبية على استقرار السوق.
– تداعيات الرسوم الجمركية الجديدة، التي عطلت سلاسل الإمداد، وأثقلت كاهل الشركات المستوردة للمواد الخام أو المُصدرة للأسواق الخارجية.
وتظهر نتائج هذه الضغوط في حالات ملموسة، مثل إعلان شركة “وولف سبيد” المتخصصة في صناعة أشباه الموصلات، يوم 22 حزيران/يونيو الماضي، عن إبرام اتفاق لإعادة هيكلة ديونها بقيمة 4.6 مليارات دولار، في خطوة تهدف إلى خفض مدفوعات فوائدها السنوية بنسبة 60%.
ووصفت الشركة الإفلاس بأنه “إجراء تقني لتنفيذ خطة إعادة الهيكلة”، مع توقعات بالخروج من العملية بحلول الربع الثالث من العام الجاري.
-مؤشرات مقلقة لنصف ثان أكثر صعوبة
ورغم محاولات الشركات مقاومة الانهيار عبر إعادة الهيكلة، إلا أن التوقعات للنصف الثاني من 2025 تزداد قتامة، وسط ترقب لما ستؤول إليه السياسات النقدية الأمريكية والتطورات التجارية الدولية.
فاستمرار الحرب التجارية، وتثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة، قد يدفع مزيداً من الشركات إلى شبح الإفلاس أو إلى تقليص عملياتها بشكل كبير.
وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن هذا “التسونامي الاقتصادي” لا يهدد فقط قطاع الأعمال، بل يُنذر بتأثيرات اجتماعية واسعة، من بينها ارتفاع البطالة، وانخفاض ثقة المستثمرين، وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين.
وبينما تحاول إدارة ترامب الترويج لمقاربة “أمريكا أولاً” عبر فرض الرسوم الجمركية، يبدو أن الثمن الاقتصادي الباهظ داخلياً قد يُشكل تحدياً جوهرياً أمام مستقبل النمو الأمريكي واستقرار السوق خلال الفترة المقبلة.