نبوءة الفيلسوف راسل حول الصين

محمد السماك

في عام 1920 قام الفيلسوف الإنجليزي الشهير برتراند راسل بزيارة للصين استمرّت عشرة أشهر. ولما عاد إلى لندن وضع كتاباً عن رحلته تحت عنوان «قضية الصين». وهي القضية التي تشغل عالَم القرن الحادي والعشرين. يقول الفيلسوف راسل في كتابه إن الصينيين رحّبوا به وعاملوه كأنه «كونفوشيوس الثاني».

في ذلك الوقت كان السؤال الصيني الذي تردّد أمامه مرات ومرات هو: ما الذي ترى أنه علينا فعلُه؟ في ذلك الوقت، أي عشرينيات القرن الماضي، كانت الصين غير الصين الحالية. بعد الاحتلال الياباني، تعرّضت لاحتلال بريطاني وأميركي. وتمدّدت روسيا في مناطقها الشمالية. كان المجتمع الصيني يسوده الفقر، فلجأ الناس إلى تعاليم كونفوشيوس يبحثون فيها عن الخلاص. لم يلعب راسل دور المخلّص. كان يدرس المجتمع الصيني. وخلال هذه الدراسة تعرّف على شاب يتمتع بالجرأة الأوروبية كما وصفه.

هذا الشاب كان «ماوتسي تونغ». لكن لم يرِد لاسمه ذكر في كتاب راسل. إلا أن الفيلسوف الإنجليزي وصفه في كتابه بأنه مصلح مجدّد يتمتع بروح انفتاحية حرّة، وقد يجرّ وراءه الأكثرية الكبرى من الشباب الصينيين. وهذا ما حدث بالفعل. في كتابه عن الصين، ربط الفيلسوف راسل بين ما كانت عليه الصين من تأخر في ذلك الوقت، وبين التربية العامة على الثقافة الكونفوشيوسية بما كانت تتسّم به من روحانيات لا تتسق مع ثقافة العمل والإنتاج. ورغم ذلك فقد وجد راسل إمكانية حدوث نهضة في هذا المجتمع، «بحيث تجعل الصين متقدمة مثل لانكستر في بريطانيا»، كما جاء في الكتاب.

وتوقّع راسل أن تقتحم الصين عالم الصناعات، وأن تتبوّأ في عقود قليلة مكانةً متقدمة بين دول العالم المتحضّر. لكن راسل حذّر يومها من أن هذا التقدم يجب أن يتم وأن يبقى ضمن إرادة الصينيين، وليس الدول الأجنبية.

وصف راسل، في كتابه، الصينيينَ بأنهم شعب مهذّب متمدّن يسعى للحرية والعدالة، علماً بأن الصين كانت في ذلك الوقت (تحت الاحتلال) بالمقارنة مع الشعوب الأخرى. وفي الأساس لم يكن راسل يريد أن يكتب عن الصين، وقد قال ذلك هو نفسه في كتابه. وبرّر الأمر بقوله «إن الصين بلاد معقّدة، وحضارتها تغوص في أعماق التاريخ». ولذلك شبّه الصين في ذلك الوقت بالإمبراطورية الرومانية التي تحلّلت قبل أن تنهار تماماً. ووصف راسل في كتابه الطلاب الصينيين بأنهم يتمتعون بصفات الذكاء وبالقدرة على الاستيعاب.

ومنذ أن صدر الكتاب، جرى تداوله على نطاق واسع، وما يزال حتى اليوم أحد أكثر الكتب تداولاً في الصين. وربما يعود ذلك إلى أنه تنبّأ بأمر أساس يبدو أنه تحقق فعلاً، حيث قال في الكتاب:«إن الصين، بإمكاناتها المادية وثرواتها البشرية، وبالروح الوطنية التي تسود فيها، يمكن أن تصبح أعظم دولة في العالم بعد الولايات المتحدة». لكنه حذّر في الوقت ذاته من أنها عندما تبلغ هذا المستوى فقد تتطلع إلى «النفوذ الخارجي». تحقّقت نبوءات الفيلسوف راسل، وأصبحت الصين دولة كبرى من دول العالم الأول، حتى وصلت إلى القمر. لكن ما لم يتحقق هو «الجنوح إلى العنف الخارجي». مدّت الصين «طريق الحرير» حتى وصلت إلى أوروبا، عبر آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.

*كاتب لبناني

عن الاتحاد الظبيانية

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً