اعتبر اللواء (احتياط) عموس يادلين، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال(أمان) والرئيس المؤسس لمركز الأبحاث MIND ISRAEL، والعقيد (احتياط) أودي أڤنتال، الخبير في الإستراتيجية وتخطيط السياسات في المركز ذاته أن الاتفاق الذي وُقّع مؤخرًا كان بالإمكان تحقيقه قبل أشهر طويلة، لكن في النهاية، كان ترامب هو من فرضه، مدركًا أن الحرب في غزة ألحقت ضررًا سياسيًا جسيمًا بـ”إسرائيل”، وأن شعار “النصر الكامل” غير قابل للتحقق. كما قرأ بدقة المزاج العام في “إسرائيل”، حيث يؤيد نحو 80% من الإسرائيليين استعادة الأسرى.
وأوضحا أنه من خلال فرض الاتفاق ووقف الحرب، وضع ترامب حدًا لطموحات حكومة الاحتلال في خوض حرب أبدية، أو في ضم الأراضي وتوسيع الاستيطان، كما أوقف أيضًا المبادرات الأوروبية والعربية التي رآها تهديدًا للأمن الإسرائيلي.
ترامب – وفق يادلين وأڤنتال – أجبر نتنياهو على القبول، وفي الوقت نفسه استثمر علاقاته مع مصر وقطر وتركيا لممارسة ضغط مكثف على حركة حماس. وبأسلوب دبلوماسي ذكّر بمناورات هنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر 1973، صاغ ترامب اتفاقًا غامض البنود، قدّم خلاله على الأرجح ضمانات ثنائية وربما متناقضة للطرفين، بحيث يتمكن كل طرف من تبنّي رواية “الانتصار” الخاصة به.
بحسبهما، “إسرائيل” تركز على تحرير جميع الأسرى وتفكيك القدرات العسكرية لحماس وتدمير غزة بصورة رادعة، بينما تؤكد حماس أنها صمدت لعامين في وجه الجيش الأقوى في المنطقة، وأجبرته على الانسحاب، وحققت تحريرًا للأسرى، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية مع ضمانات بعدم عودة الاحتلال للحرب.
يقول الكاتبان إن إن فشل تنفيذ نزع السلاح قد يسمح لحماس بإعادة بناء قوتها تحت غطاء إدارة انتقالية ضعيفة في غزة، كما حدث مع “حزب الله” في لبنان، وهو ما تحاول “إسرائيل” منعه عبر تنسيق وثيق مع واشنطن.
وترى المقالة أن الهدف الإسرائيلي المقبل هو الاتفاق على معايير واضحة لنزع السلاح، وقواعد لاستخدام القوة ضد أي تهديد ناشئ، وتنظيم الوجود العسكري الإسرائيلي في محيط القطاع.
أما المرحلة الثالثة من الاتفاق، فتتعلق بما يسميه ترامب “المسار نحو الدولة الفلسطينية” في مستقبل بعيد، مشروط بنجاح المرحلة الثانية ونزع سلاح حماس وإصلاح السلطة الفلسطينية.
ويقر الباحثان العسكريان بأنه لم يتحقق “نصر مطلق” في غزة، لكن الظروف الحالية تسمح بتحقيق “نصر ذكي”، خاصة مع إجماع دولي على دعم الإفراج عن الأسرى ونزع سلاح حماس، ومع امتلاك “إسرائيل” ورقة ضغط قوية تتمثل في ربط إعادة إعمار غزة بنزع سلاحها التدريجي.
في الخلاصة، يقول يادلين وأڤنتال إن نهاية الحرب تمثل بشرى حقيقية لـ“إسرائيل”: فالأسرى سيعودون، وستبدأ عملية تعافٍ طويلة بعد حرب استمرت عامين، كما ستحصل “إسرائيل” على فرصة للخروج من عزلتها الدولية واستعادة صورتها كدولة شرعية ومتقدمة بدل دولة محاصرة عسكريًا.
على المستوى الإقليمي، يعتقدان أن على “إسرائيل” أن تضمن بقاء مركز الثقل في محور التطبيع مع الإمارات والسعودية ومصر والأردن، وألا يُفسح المجال لمحور سني تقوده تركيا وقطر. أما داخليًا، فإن وقف الحرب يمثل لحظة لإعادة البناء وتجديد القيادة بعد حرب شاقة على سبع جبهات، وفرصة لإعادة إطلاق مسار التطبيع والتحالفات ضد إيران. غير أن الطريق، كما يختمان، “لن يكون سهلاً؛ فالأضرار التي لحقت بإسرائيل عميقة، وهي بحاجة إلى قيادة جديدة جريئة ومسؤولة وبعيدة النظر”.