نتنياهو في خطاب فاشل لمقاعد فارغة: يكفيني رضا ترامب

السياسي – وصل نتنياهو أول أمس لإلقاء خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مزوداً كعادته بعدد كبير من خدع الألعاب النارية، بدءاً بالخارطة التي أشار إليها أثناء حديثه بإشارة “في” على أعداء إسرائيل الذين تمت هزيمتهم كما يبدو، ومرورا بالاستبيان الأمريكي الذي استهدف إثبات أن أعداء إسرائيل هم بالفعل أعداء كل الغرب، وانتهاء بخدعة دعائية فيها، مثلما كشفت “هآرتس”، شارك الجيش بثا مباشرا للخطاب بواسطة مكبرات صوت تم تركيبها في قطاع غزة وسيطرة على هواتف الفلسطينيين، بما في ذلك نداء باللغة العبرية للمخطوفين.

لكن الخطوة التي ربما كشفت أكثر من أي شيء آخر لاوعي نتنياهو ومستشاريه ومحيطه المقرب، هي الباركود الذي كان معلقاً على ياقة بدلته، نفس الياقة التي لم يجروه بها حسب قوله قبل 7 أكتوبر. من مسح الباركود وصل إلى موقع عرضت فيه صور تثير الرعب لجثث إسرائيليين ذبحوا. بهذا، من فوق منصة الأمم المتحدة، حول نتنياهو جسده إلى عرض للرعب، الذي استهدف أن يشرح للحضور “لماذا نحارب ولماذا نحن مضطرون إلى الانتصار”.

لكن كل الخدع التي أعدها بجهد كانت معدة للفشل من البداية، لسبب بسيط؛ وهو أن رئيس الحكومة ومحيطه يرفضون الفهم بأن 7 أكتوبر لن يبرر سلسلة الفظائع المتواصلة في غزة يومياً. الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة خلقت تضخماً من صور فظيعة، سواء في الأمم المتحدة أو خارجها. وقبل يومين، استخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – أحد ألد أعداء إسرائيل في المنطقة ومنافس كبير على قلب وعقل ترامب – نفس الأداة بالضبط، وعرض ثلاث صور مرعبة من غزة على المنصة.

نتنياهو عرف، باحتمالية عالية، أنه ذاهب لإقناع المقتنعين. يصعب تقدير أن حديثه في قاعة فارغة كان مفاجئاً له. بعثات دول إسلامية ودول إفريقية ودول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الأوروبية، خرجت من القاعة تعبيراً عن الاحتجاج على صعوده إلى المنصة. ثمة ازدحام حدث أثناء الخروج، واضطر مدير الجلسة لدعوة الحضور والخارجين لاحترام النظام لدقائق طويلة، في الوقت الذي كان فيه عدة عشرات من مشجعي نتنياهو يصفقون ويهتفون بحماسة من الشرفة. ليست مقاعد بعثة إيران وقطر والجزائر، هي ما بقيت فارغة، بل أيضاً بعثات دول تعتبر “معتدلة” مثل قيرغيزستان. أما البعثة الأيرلندية فلم تكن موجودة في القاعة، أساساً. وبعثة إسبانيا غادرت القاعة. مع ذلك، حسب معرفتنا، فإن ممثلي معظم الدول الأوروبية كانوا حاضرين في الجلسة، وكذلك بعثات دول اتفاقات إبراهيم: الإمارات والبحرين، بقوا في مكانهم، وهذه أنباء مشجعة نسبياً لحكومة إسرائيل لعهد إسبرطة العظمى.

الخطاب الذي كان مليئاً بزلات اللسان (رئيس الحكومة قال إيران بدلاً من إسرائيل، والنمسا بدلاً من أستراليا، وصحح نفسه)، كان أعدّ في المقام الأول لأذن جمهورين. الأول هو القاعدة اليمينية في إسرائيل التي من أجلها، حسب مصدر تحدث مع “هآرتس”، سيتم نشر فيلم لإسماع الخطاب في غزة، والثاني هو الجمهور الأمريكي، وبشكل خاص الشخص الذي يجلس في البيت الأبيض. لذلك، اقتبس نتنياهو جنرالات أمريكيين وأكد على الجدوى الاستخبارية التي تحصل عليها الولايات المتحدة من شراكتها مع إسرائيل، وكرر للمرة المليون أن إيران ووكلاءها يؤيدون “الموت لأمريكا”، وأشار إلى أن إيران وقفت من وراء محاولات اغتيال للرئيس الأمريكي (حسب معرفتنا إيران وقفت وراء محاولة اغتيال واحدة لترامب)، ووصف خسائر 7 أكتوبر بمعيار أمريكي (40 ألف قتيل و10 آلاف مخطوف).

باستثناء ذلك، هاجم رئيس الحكومة زعماء الدول الأوروبية الذين اعترفوا بفلسطين، وأوضح أنه يعارض بشدة إقامة الدولة الفلسطينية. هو نفسه دعم هذه الفكرة في السابق، وحصلت على دعم جارف كما يبدو من مواطني إسرائيل. اهتم بنثر الوعود الغامضة حول السلام الذي سيأتي من خلال قوة إسرائيل في الشرق الأوسط، ووجه انتقاده للاسامية العالمية وحاول الإثبات بأن إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية في غزة. “هل طلب النازيون من اليهود المغادرة؟ هل قالوا لهم: رجاء، اتركوا؟”، تساءل ليثبت أن إسرائيل لا تتصرف مثل ألمانيا النازية، هذا رغم أن النازيين شجعوا على الهجرة الطوعية لليهود من أراضي الرايخ الثالث في السنوات الأولى بعد صعودهم إلى الحكم.

لكن بعيداً عن المقارنة غير المريحة، شمل خطاب نتنياهو بشكل أساسي رسائل تم استيعابها وإعادة تدويرها خلال الأشهر القليلة الماضية. الخطاب لم يتضمن أي تصريحات جديدة حول استمرار القتال في غزة، أو إمكانية التوصل إلى اتفاق، بل تم إلغاء إحاطة إعلامية مخطط لها لوسائل الإعلام الإسرائيلية في اللحظة الأخيرة. وأعلن مكتب نتنياهو بأن رئيس الوزراء لن يتحدث إلى وسائل الإعلام إلا بعد زيارته لواشنطن، الإثنين. وبذلك، أثبت نتنياهو من فوق منصة الأمم المتحدة مرة أخرى أنه ليس لديه أنباء جديدة للعالم، أو أنه يحمل خطاباً معه. بالنسبة له، فإن جميع الآمال والمخاوف والجهود موجهة لهدف واحد فقط، وهو البيت الأبيض، الذي أصبح اعتماده عليه مطلقاً في الأشهر الأخيرة.

-ليزا روزوفسكي – هآرتس 28/9/2025