السياسي – في حواره الأخير مع قناتي “TF1″ و”LCI” الفرنسيتين (المملوكتين لعائلة بويغ) حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دغدغة مشاعر الفرنسيين، وخاطبهم مدعيا أنه في حرب الإبادة التي يقودها في غزة “فإن انتصارنا هو انتصاركم، انتصار إسرائيل على معاداة السامية، إنه انتصار الحضارة اليهودية- المسيحية ضد الهمجية، وسيكون أيضا انتصارا لفرنسا”!
ومضى نتنياهو في أكاذيبه وقارن الهجوم على رفح بـ”إنزال قوات التحالف في الحرب العالمية الثانية في نورماندي بفرنسا”.
ولدى سؤاله عن طلب المدعي العام للجنائية بإصدار مذكرة اعتقال ضده وضد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ادعى مجرم الحرب والإبادة الجماعية نتنياهو أن “الأمر يبدو كما لو أن ديغول وتشرشل قد حوكما مع القادة النازيين في محاكمات نورمبرغ”!
والمفارقة هنا بالحديث عن النازية أن نتنياهو، وفي أكذوبة تاريخية أخرى، ادعى في 2015، أن مفتي القدس والزعيم الفلسطيني في الأربعينيات، الحاج أمين الحسيني، هو الذي أقنع زعيم النازيين هيتلر بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا. وقال نتنياهو للمؤتمر الصهيوني العالمي في القدس المحتلة، حينها، بدا لافتا خاصة أن نتنياهو (العلماني المزعوم) وفي استمرار لأكاذيبه حاول في حواره مع القناتين الفرنسيتين، العزف على وتر أكذوبة “الحضارة المسيحية- اليهودية” التي يتم الترويج لها تلفيقا أيضا في فرنسا التي يرفع قطاع من إعلامها وطبقتها السياسية، للمفارقة، فزاعة الدفاع عن “اللائكية”
“إن هتلر إنما كان يريد في 1941 طرد اليهود من أوروبا فقط، ولكن مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني قال له إن اليهود ينبغي أن يزالوا من الوجود وإلا فإنهم سينتقلون إلى فلسطين”. ومضى نتنياهو في كذبته ليقول إن هتلر سأل مفتي القدس: “ماذا عساي أن أفعل؟” فأجابه الأخير: “أحرقوهم”!
وقد أثار كلام نتنياهو حينها إدانات حتى من غلاة الصهيونية، الذين اعتبروه تزويرا للتاريخ، ومحاولة لتبرئة هتلر، وتحميل مسؤولية جريمة المحرقة النازية في حق اليهود للفلسطينيين!
وبدا لافتا خاصة أن نتنياهو (العلماني المزعوم) وفي استمرار لأكاذيبه حاول في حواره مع القناتين الفرنسيتين، العزف على وتر أكذوبة “الحضارة المسيحية- اليهودية” التي يتم الترويج لها تلفيقا أيضا في فرنسا التي يرفع قطاع من إعلامها وطبقتها السياسية، للمفارقة، فزاعة الدفاع عن “اللائكية” (العلمانية الفرنسية)، التي تحولت إلى ما يشبه “دين الدولة” بتفسيرات لا تدعو فقط إلى فصل الدين عن الدولة، بل استبعاد مظاهر الدين (والمقصود الإسلام!) أيضا عن الفضاء العام بشكل مثير للسخرية؛ بينها قرار أخير من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، الذي بعد حظر الحجاب عن لاعبات كرة القدم، دعا لحظر الجوارب اللاصقة (التي يرتديها اللاعبون كذلك خاصة اتقاء للبرد) بزعم تحويلها إلى “علامات مرتبطة بالإسلام”!
وفيما احتج آلاف الفرنسيين أمام مقر القناتين الفرنسيتين على إجراء الحوار مع مجرم حرب، فقد تكفلت أذرع إعلامية وأبواق سياسية فرنسية أخرى بمحاولة التبرير لرئيس وزراء الكيان الصهيوني. في المقابل ارتفعت أصوات ولو قليلة من مثقفين، بينهم يهود، وأدانت محاولة نتنياهو والمتواطئين معه للترويج لأكاذيبه، بينها أكذوبة “الحضارة اليهودية- المسيحية”، التي يتم الترويج لها رغم أن الوقائع والشواهد التاريخية توثق المذابح التي ارتكبها المسيحيون وخاصة الكاثوليك في حق اليهود، الذين يعتبرونهم قتلة المسيح.
وحتى المسيحيون الإنجيليون، الذين يروجون أيضا لأكذوبة “المسيحية- اليهودية”، ويوصفون بالمسيحيين الصهاينة، يدعمون إسرائيل ليس حبا في اليهود، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم، وأنه عندما يعود المسيح فإنه سيخير اليهود بين التحول إلى المسيحية أو الذهاب إلى الجحيم!
المفارقة هنا أن المذيع الذي حاور نتنياهو للقناتين الفرنسيتين، وهو السويسري داريوش روشبين (من أب إيراني وأم سويسرية)، كان سبق أن حاور رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، في نيسان/ أبريل الماضي، في مقابلة لصالح “LCI”، وفيها صرح باراك أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يوجد تحت تأثير وزرائه المسيحانيين (اليهود) العنصريين لحماية مكانته في السلطة، ولأنه لا يريد فقدان السيطرة على البلد. وقد تحول إلى أشبه بعبد لدى هؤلاء الوزراء الاستعباديين، الذين يفرضون خياراتهم عليه، مع أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو العمل إلى جانب الحلفاء الأمريكيين. ولكن على العكس من ذلك، فهؤلاء الوزراء يريدون مزيدا من التصعيد نحو حرب أوسع لتسريع مجيء المسيح المخلص”.
وتجدر الإشارة إلى أن المشيح أو المِسّيّا بالعبرية، ومعناها المسيح، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي.
والمفارقة هنا أيضا أن باراك الصهيوني العلماني المزعوم مثل نتنياهو وكثير من الصهاينة (الذين لا يؤمنون بالله، ولكن يؤمنون بأنه وعهدهم بالأرض المقدسة!)، يتحدث أيضا بالمرجعيات الدينية اليهودية. ففي أيار/ مايو 2022، أبدى إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”.
وفي مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قال باراك: “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.
وأكد باراك أن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
وذكر أن “العقد الثامن لإسرائيل أنذر بحالتين: بداية تفكك السيادة ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود”