السياسي – رغم مرور أسبوع على موافقة حركة حماس على الصفقة المقترحة من قبل قطر ومصر، لم ترد حكومة الاحتلال بعد عليها، فيما يواصل رئيسها بنيامين نتنياهو المناورة والتهرّب وتعطيل المساعي لإنهاء حرب الإبادة المستمرة منذ 23 شهرا على غزة.
نتنياهو الذي سبق ورفض فكرة صفقة شاملة دعت لها حماس، ودعا لصفقة جزئية، يزعم في تسريبات وتصريحات إعلامية أنه يريد صفقة شاملة بشروطه هو (حماس بلا سلاح ولا سلطة وتهجير قادتها الحاليين)، يخطّط اليوم لعملية عسكرية جديدة ضد مدينة غزة تحمل اسم “قبضة حديدية” يُجري خلالها مفاوضات تحت النار والضغط، أملا في خضوع الجانب الفلسطيني.
فيما تخطّط عائلات الاسرى والمعارضة ليوم غضب جديد يوم الثلاثاء، ويتزايد الضغط الدولي على إسرائيل خاصة على المستوى غير الرسمي، بيد أن هذا الضغط لم يرتق لدرجة فرض عقوبات عملية من قبل الحكومات الأجنبية.
ومع ذلك، هناك مراقبون في إسرائيل يحذرون من نتيجة اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، ومواصلة الحرب والمجاعة في القطاع، ومن الحملة العسكرية على مدينة غزة.
في مقاله الأسبوعي المنشور بصحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الأحد، ينبّه المحاضر المختص في الشؤون الفلسطينية بجامعة تل أبيب دكتور ميخائيل ميليشتاين، أن إسرائيل على موعد مع تسونامي سياسي في العالم ضدها. رغم أن الاعترافات بفلسطين كدولة ورغم أهميتها السياسية المعنوية، لكنها تبقى حبرا على ورق حاليا. ويحذر ميليشتاين من القادم بقوله إن “التسونامي ضد إسرائيل سيبلغ ذروته في أيلول الوشيك مع عقد مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة ومع المزيد من الاعترافات بدولة فلسطين”.
ويستذكر مراقبون آخرون أن مؤشر المجاعة التابع للأمم المتحدة الذي اتهم إسرائيل يوم الجمعة بأن الجوع موجود في غزة بأقصى درجاته (الدرجة الخامسة) سيزيد طينة إسرائيل بلةّ، ويقول المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” نير حسون اليوم الأحد، إن الهجوم الاسرائيلي على التقرير الأممي المذكور يهدف لإخفاء ما يُفعل في غزة باسم الإسرائيليين. يشار إلى أن “صحيفة “هآرتس” قد نشرت في ذات اليوم ما لا يقل حدة عن مؤشر المجاعة، حيث كشف تحقيقها أن إسرائيل تستخدم الجوع إستراتيجية لها وذلك بناء على شهادات مصورة لأطباء أجانب وفلسطينيين داخل القطاع.
-خسائر عسكرية
وهناك مراقبون إسرائيليون ممن يحذرّون من التبعات العسكرية لا السياسية فحسب المترتبة على احتلال مدينة غزة. فيقول المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر اليوم، إن مقارنة نتنياهو غزة ببرلين بعد احتلال ألمانيا من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تزعزع بدنه وتغضبه جدا. منوّها أن الجنود الإسرائيليين سيضطرون إلى دخول المدينة الأكثر ازدحاما في العالم، فيما تستعد حماس منذ شهور لحرب عصابات قاسية ستكون مكلفة لهم أيضا.
وفي هذا المضمار، تنشر صحيفة “هآرتس” اليوم تسريبات مفادها أن قائد جيش الاحتلال إيال زامير قد حذر المستوى السياسي من أن هدم غزة ظاهرها وباطنها سيستغرق سنة كاملة، وإن إخلاء أهالي غزة لن يتم قبل إقامة منطقة إنسانية للاجئين.
شيمعون شيفر المذكور أعلاه يتساءل: “لماذا يتحدث زامير بصوتين. أين زامير الذي سبق وأوضح للوزراء أن احتلال غزة سيقتل الاسرى وسيكلفنا حياة عشرات الجنود؟ متى يقف زامير أمام الإسرائيليين ويوضح تذبذب مواقفه تارة مع العملية العسكرية وتارة ضدها؟ متى يعي أن عليه استخدام آخر طلقة في بندقيته لمنع الكارثة؟”.
كما يبدي شيفر استغرابه من عدم قيام حركة جماهيرية إسرائيلية واسعة تجبر نتنياهو وثلته على وقف الحرب. ويطلق شيفر أيضا سهام انتقاد ضد رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ ويقول إنه غير شجاع بعكس والده رئيس إسرائيل الراحل حاييم هرتسوغ. فيتساءل: “أين رئيس الدولة؟ لماذا لا يقتدي برئيس سابق للدولة الراحل يتسحاق نافون الذي أجبر حكومة بيغن على تشكيل لجنة تحقيق بمذبحة صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان الأولى؟”.
ويخلص شيفر للقول: “للأسف، الرئيس الحالي يتسحاق هرتسوغ ورغم توالي الفرص في فترته، لم يقم بما كان متوقعا منه: إلزام الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق بالسابع من أكتوبر وقبل ذلك المطالبة بوقف الحرب”.
-ترامب هو المفتاح
وهناك من يشير لدور ضعف الضغوط الخارجية على إسرائيل وتمكينها بالتالي من مواصلة المقتلة في غزة. فيقول على سبيل المثال الجنرال في الاحتياط آفي خالو، مسؤول ملف المفقودين والأسرى في الاستخبارات العسكرية سابقا، إن ترامب هو المفتاح.
وفي مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” يقول خالو على غرار مراقبين آخرين، إنه “طالما أن ترامب لا يكترث ولا يصغي لما يجري هنا، يواصل نتنياهو الحفاظ على حرية الحركة والانسحاب من المفاوضات وشن معركة في مدينة غزة”.
يشار إلى أن ترامب الذي سبق وقال عدة مرات في السابق بصوته وصورته إنه يريد لهذه الحرب أن تنتهي، عاد وكرر ثرثرته ليلة البارحة بقوله من جديد، إن “أقل من عشرين اسيرا ما زالوا على قيد الحياة وحماس لن تسلمهم لأنها تعرف أن هذه ستكون نهايتها”.
وفي هذا المضمار، قال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك، المناهض لحكومة نتنياهو والذي يريد وقف الحرب الآن، إن ترامب لا يفقه شيئا بالشؤون العسكرية، ونتنياهو يغرر به ويضحك عليه. من جهته يرى المحلل السياسي في القناة 12 العبرية حايم ليفنسون، أن نتنياهو لا ينوي حقا إدارة مفاوضات، وأنه يبني على رفض حماس لشروطه واحتلال غزة عندئذ سيبدأ قريبا.
ويمضي ليفنسون في مهاجمة نتنياهو: “الشيء الوحيد المهم بالنسة لنتنياهو هو تأييد ترامب لمواصلة الحرب. وفي حال فشلت الحرب، فمن شأن ترامب أن يفقد الاهتمام بحرب لا تنتهي”.
على خلفية كل ذلك، يقول زميله المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” جدعون ليفي، إنه ينبغي إرسال “ترامب إلى هاغ لا إلى أوسلو… محاكمته بدلا من منحه جائزة نوبل للسلام”، منتقدا هو الآخر عدم تحول الانتقادات الدولية والعربية لأفعال رادعة ضد إسرائيل.
-الأنا الجريحة
هذا الاستنكاف عن اعتماد العقوبات ضد إسرائيل بغية فرملة مركبة القتل والتجويع على غرار العقوبات الأوروبية ضد روسيا منذ شنت حربا على أوكرانيا، تمكّن نتنياهو من الإمعان في غيه طمعا بصورة انتصار تداوي “أناه” الجريحة بعدما قلب “طوفان الأقصى” الطاولة على رأسه وتسبب له بالإهانة.
نتنياهو المسكون بجنون العظمة ويعتبر نفسه تشرتشل الإسرائيلي علاوة على أطماعه الأيديولوجية هو وشركاؤه المستوطنون، يريد عبر “القبضة الحديدية” محاولة تدمير القطاع وتهجير سكانه عنوة، وحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بالحديد والنار والدمّ، وتدمير قضيته الوطنية.
وعن ذلك قال بالتلميح قبل أيام إنه يشعر بأنه معدّ للقيام بواجب تاريخي من أجل الأجيال القادمة. ولذا فإن نتنياهو الذي قال قبل ذلك عن رفح إنها آخر معاقل حماس، يتجه في المغامرة الجديدة للانسحاب إلى الأمام، والرهان على ما تبقى له، لاسيما أن استطلاعات الرأي تتنبأ له بالسقوط في أي انتخابات قادمة في ظل مواصلة استذكار الإسرائيليين لأحداث السابع من أكتوبر 2023، وليس الثالث عشر من حزيران 2025، ليلة مباغتة إيران بعكس ما يشتهي نتنياهو.
على خلفية كل ذلك، سيبقى الحديث عن صفقة مجرد ثرثرة ريثما يكون جيش الاحتلال جاهزا للقيام بالحملة العسكرية لاحتلال مدينة غزة التي يحذر مراقبون إسرائيليون من صعوبة مهمة تفريغها من مليون مواطن، وبناء مناطق لجوء لهم في حال تمّ تهجيرهم فعلا، منبهين أنها لن تكون برلين كما يزعم نتنياهو بل هي بغداد ثانية أو مقديشو ثانية، وستكون مسرحا لحرب عصابات خطيرة.