السياسي – “قمنا بتشغيل عشائر في غزة معارضة لحماس. ما الأمر السيئ في ذلك؟ هذا جيد”، هكذا رد نتنياهو على منشور يقول بأن إسرائيل سلحت عصابات جريمة برئاسة تاجر المخدرات، ياسر أبو شباب. نتنياهو، ليس بالصدفة، يخلط بين العشائر والعصابات. مفهوم “عشائر” يبعث رائحة محترمة للتعاون بين إسرائيل ووجهاء الجمهور الفلسطيني في غزة ضد حماس. من هنا تبدو المسافة قصيرة إلى عرض ذلك كخطة منظمة لليوم التالي، التي سيحل في إطارها حكم محلي فلسطيني مكان، ليس حماس فقط، بل أيضاً مكان السلطة الفلسطينية، التي تعتبر منذ بداية الحرب في إسرائيل مؤيدة للإرهاب، إذا لم تكن منظمة إرهابية بالكامل.
لكن عصابات أبو شباب ليست “عشيرة” أو ممثلة للجمهور. يجدر التذكير بأن ائتلاف العائلات والحمائل والألوية في جنوب قطاع غزة نشر في آذار 2024 بياناً حازماً، أوضح فيه “نحن مستعدون للجلوس مع المؤسسات الدولية غير المرتبطة بحكومات تخضع للفصائل الفلسطينية، ومع الذين يعملون تحت مصدر الصلاحيات الفلسطينية، أي م.ت.ف، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني… الاحتلال اتصل هاتفياً مع عدد من أبناء العائلات الكبيرة، وتم الرد على طلبه بالرفض. نهنئ عائلات النجار، المدهون، الشوا، الفرا، الأسطل وحلس، التي كان موقفها أن م.ت.ف هي الممثل الحصري للشعب الفلسطيني، وأن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين”.
بدلاً من الحمائل أو مؤسسة “الوجهاء”، التي تبعث فشلاً ذريعاً لروابط القرى، تقوم إسرائيل بتسليح أبو شباب، الذي أطلق على عصابته لقب “جهاز محاربة الإرهاب”، هكذا يتحول من قام هو نفسه بنهب قوافل المساعدات الإنسانية إلى المسؤول عن أمن قوافل المساعدات الإنسانية برعاية إسرائيل. حقاً، “ما السيئ في ذلك؟”.
الاستعانة بعصابات الجريمة ومليشيات محلية لإدارة مناطق محتلة ليست اختراعاً إسرائيلياً. فالولايات المتحدة جندت ومولت وسلحت قوات قبائل محلية في أفغانستان والعراق؛ كما استخدمت الإمارات مرتزقة من كولومبيا في حربها ضد اليمن؛ وأقام بشار الأسد جيشاً كاملاً من العصابات، “الشبيحة”، التي قتلت آلاف الأشخاص في الحرب الأهلية في سوريا؛ كما تقوم إيران بتمويل المليشيات الشيعية في العراق؛ وقامت قطر والسعودية بتمويل مليشيات مسلحة عملت إلى جانب من هو الآن الرئيس السوري، أحمد الشرع؛ وأرسلت تركيا مليشيات سورية ومولتها للمحاربة في ليبيا، وما زالت حتى الآن تعتمد على مليشياتها للسيطرة على مناطق احتلتها في أقاليم الأكراد شمالي سوريا.
لكن المليشيات المستأجرة التي تُرسل للقتال كمرتزقة في دول أخرى، لا تعتبر جزءاً من النسيج السياسي والاجتماعي في الدولة التي تحارب فيها، وهي تنهي نشاطاتها وفقاً لقرار الدولة المشغلة، في حين أن المليشيات المحلية مثل التي تعمل في سوريا والعراق أو غزة، تصبح بشكل عام “جيشاً موازياً”، يقيم دولة داخل دولة. النتيجة أن الأنظمة الرسمية المعترف بها في هذه الدول، تصل إلى معارك دموية ضد هذه المليشيات، التي أصبحت قوة سياسية قوية تعمل من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، أحياناً على حساب البنية القانونية في الدولة، وعلى الأغلب من خلال تدميرها. هكذا تجد حكومات العراق وسوريا نفسها الآن في صراع مستمر ضد المليشيات المحلية التي تمتلك سلاحاً كبيراً وتسيطر بالفعل على أجزاء من المحافظات في هذه الدول وتهدد مواطني الدولة والحكومة. إذا كانت في السابق قد تعاونت مع الجيش الوطني وحتى مع الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، واعتبرت قوة مساعدة شرعية وحيوية، فقد أصبحت مع مرور الوقت تهديداً يتجاوز حدود الدولة الأم، وتنزلق إلى كل المنطقة.
وإسرائيل تعتبر عصابات مثل عصابة أبو شباب “قوة مساعدة” عسكرية، ستساعد في حماية توزيع المساعدات الإنسانية، وتعفي الجيش الإسرائيلي من عبء هذه الحماية، وبعد ذلك ربما ستنشغل في إدارة توزيع المساعدات وحتى ستشارك في إقامة أجهزة النظام المدني في القطاع. ولكنها تشق طريقها إلى تطور خطير يشبه التطور الذي حدث في العراق وسوريا ولبنان ودول أخرى.
إسرائيل تفترض أن المليشيا المسلحة ستبقى تحت سيطرتها، حيث تقوم بتسليحها وتوفير مصادر دخلها، وربما حتى تمويلها مباشرة، وهكذا تخلق لها اعتماداً على مشغليها وتضمن الخضوع بدون شروط. وربما التجربة الصعبة في غزة، وليس فيها فقط، تعلمنا بأن لمثل هذه المليشيات ديناميكية خاصة بها، التي لا يعد الامتثال جزءاً منها.
على سبيل المثال، اللجان الشعبية التي نشأت في غزة بعد الانتفاضة الثانية بدلت الولاء بين السلطة الفلسطينية وحماس والجهاد الإسلامي. ومثلها أيضاً العائلات الكبيرة في غزة، سعت دائماً إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع جميع التنظيمات، وتعيين ممثلين لها في كل تنظيم. نجحت حماس في كسر معارضة معظم التنظيمات الصغيرة، سواء بالقوة أو من خلال دمجها في أجهزتها، وبالأساس حيدت نشاط ممثلي السلطة الفلسطينية. لكونها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تسيطر في القطاع، وتحصل على دعم إسرائيل، فقد حصلت على تعاون من نفس الجهات المدنية التي عارضت أيديولوجيتها، لكنها كانت تعتمد عليها في كسب الرزق وتعزيز أعمالها التجارية. الآن، يبدو أن هذه الجهات تحصل الآن على فرصة لاستبدال حماس، أو على الأقل التنافس على المكان الذي ستخليه حماس في المجال العسكري والمدني.
في هذه المنافسة، من شأن “العميل الإسرائيلي”، كما تسميه الشبكات الاجتماعية في غزة، أن يجد نفسه في مواجهة عنيفة مع عصابات أخرى وتنظيمات ورجال اللجان الشعبية وعائلات كبيرة وعائلات صغيرة – وبالطبع مع حماس. هذه بشكل عام المرحلة التي يمكن أن تتطور فيها حرب أهلية دموية، التي لن يكون ضحاياها أكياس الطحين وصفائح الزيت، بل الأبرياء. وإسرائيل تتحمل مسؤولية ذلك.
لا نعرف عدد النشطاء الذين نجح أبو شباب في تجنيدهم. التقديرات هي 100 – 300 شخص. في كل الحالات، هذه قوة صغيرة مقارنة مع حماس، و”الجهاد الإسلامي” وتنظيمات أخرى. النقص في العدد قد يجعل أبو شباب يقيم تحالفات مع تنظيمات مسلحة أخرى، ولا ضمانة بعدم محاولته ضم أعضاء من حماس و”الجهاد الإسلامي”. إضافة إلى ذلك، جهود مراكمة القوة لن تكون منفصلة عن العلاقة السياسية والأيديولوجية، وسيضطر رئيس عصابة الجريمة إلى بناء شرعيته على فكرة وطنية والتخلص من صورة المتعاون وتغيير ولائه، وأخيراً توجيه السلاح الذي حصل عليه نحو إسرائيل. ربما تكون إسرائيل التي تحلم كما يبدو بإحياء جيش لبنان الجنوبي في قطاع غزة قد نسيت بأن حزب الله قد نشأ بالتوازي معه.
تسفي برئيل – هآرتس 10/6/2025