نخوة مفقودة ونصرة منشودة

محمد إسماعيل ياسين

السياسي – بات السؤال ملحا عن جدوى استمرار التغطية الإعلامية المكثفة للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، لا سيما أن مشاهد جرائم الإبادة الإسرائيلية المتتابعة تُغرق وسائل الإعلام صباح مساء منذ عام ويزيد، ومع ذلك، فحجم حراك جماهير الأمة العربية والإسلامية لنجدة ونصرة أبناء عروبتهم وإسلامهم دون مستوى الدماء والجراح النازفة، بخلاف حراكها وتفاعلها في محطات سابقة من العدوان الإسرائيلي، إذ لا يرقى حراكها الواهن الراهن لحجم تفاعلها مع مباراة كرة قدم حتى! فكيف الحال والعدوان الإسرائيلي الحالي فاق بحجمه وبشاعته وجرمه أي عدوان إسرائيلي سابق، حيث يكتوي أهالي القطاع منذ أكثر من عام بنار أحدث الأسلحة الأمريكية والغربية المسخّرة لخدمة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتتتابع الأسئلة المرة عن سر تبلد مشاعر جماهير الأمة رغم فظاعة مشاهد جرائم الإبادة في قطاع غزة، مثيرة غصة في النفس وحيرة في القلب، فكيف السبيل لتحريرها من أغلال التخدير والتزييف لوعيها ومحاولات سلخها عن القضية الفلسطينية؟! إذ بلا أدنى خجل بتنا نجد من يردد الشعار الوقح “فلسطين ليست قضيتي”، والذي تجسده وسائل إعلام عربية مشغولة بلوم الضحية، لا لشيء سوى ممارستها حقها المشروع بمقاومة الاحتلال، وسعيها المحمود لحماية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في ظل مخططات تهويد تقودها أكثر حكومات الاحتلال تطرفا، بل إنها لم تكلف نفسها مجرد الالتزام بالأصول المهنية ومراعاة قيم العدالة والإنسانية!

لقد باتت مصطلحات “إبادة” و”مجازر” مستهلكة وعاجزة عن وصف بشاعة ما يتعرض له أهالي قطاع غزة، لا سيما الصامدين في شمال القطاع منذ أزيد من عام، ومع ذلك، فلا حراك حقيقيا وقويا في العواصم العربية والإسلامية باستثناء صنعاء، ومع أن المطلوب لنصرة الشعب الفلسطيني أكبر من مجرد تظاهرات وهتافات وشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع إلا أنها تعطي بارقة أمل بأن هناك من يشعر بعذابات وآلام الفلسطينيين، ولا تدعهم عرضة لسخرية جنود الاحتلال الذين تندر بعضهم على جماهير الأمة اللاهية بترديدهم على أسماع بعض من اعتقلوهم بغزة: “وين الملايين ..الشعب العربي وين!” وسط ضحكات و”قهقهات” مست قلوب الأسرى بالحرقة والحسرة على حال الأمة الغافلة!
ومما لا شك فيه أن التظاهرات الضاغطة على صناع القرار تمثل الحد الأدنى المطلوب، ومما يواسي القلب في هذا السياق التظاهرات المليونية الأسبوعية في صنعاء العروبة، والتي لم تكتف بذلك، بل أرسلت مسيّراتها وصواريخها نحو قلب كيان الاحتلال نصرة لفلسطين ومسجدها الأقصى المبارك، فضلا عن فرضها حصارا بحريا على الاحتلال الإسرائيلي وإن خففت وطأته خطوط إمداد عربية فتت أكباد الفلسطينيين الذين مسهم الجوع، فيما تتكدس شاحنات المساعدات العربية أمام بوابة معبر رفح منذ شهور عدة!
كما أن النصرة العملية التي يسطرها فرسان المقاومة الإسلامية في لبنان تسجل بأحرف من نور، وتبعث على الأمل باستعادة وحدة الأمة الإسلامية في مواجهة المشروع الغربي الصهيوني، ويعزز ذلك حرص فصائل المقاومة العراقية على نصرة الشعب الفلسطيني، وهذا مما يفضي لوأد سياسة الاحتلال القائمة على زرع الفتن والشقاق في المنطقة العربية لضمان سيادته وسيطرتها عليها، ولا سبيل لإحباط ذلك سوى بالانخراط في المواجهة الراهنة لحماية الأقطار العربية من أطماع المشروع الصهيوني.

وعود على بدء، وإجابة لسؤال المقدمة، فالتغطية الإعلامية المكثفة مطلوبة، وتمثل أقل الواجب الذي تقتضيه الإنسانية فضلا عن قيم العروبة والإسلام، فإن لم تحرك مشاهد الإبادة والمجازر بحق النساء والأطفال والشيوخ جماهير الأمة العربية والإسلامية بالمستوى المنشود، فلعلها توقظ ضمير العالم الحر، فينبري من يدفع العدوان عن الشعب الفلسطيني ويقتفي أثر من مزقوا وثيقة قريش لحصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ولتكن كذلك من باب إقامة الحجة على أحرار الأمة الذين يجب أن يؤرقهم نداء ثكلى فلسطينية خلال تشييعها فلذة كبدها حين قالت: “لا تشفع لهم يا رسول الله!”.
لقد طفح الكيل وفاض الألم، ولم يعد متسع للمجاملات الناعمة والدبلوماسية الأنيقة، فضعف الحراك الجماهيري الغاضب على مشاهد القتل والإبادة التي يندى لها جبين الإنسانية فاق كل التوقعات، واستدعى أجوبة محبطة لأسئلة تدور في الوجدان، فإن لم تتحرك جماهير الأمة نصرة لمسرى نبيها الكريم وتلبية لصرخات نساء رُمّلت وآهات أطفال يُتموا، فمتى تتحرك؟! وهل تأمن على نفسها ذات الكأس؟! فالشعب الفلسطيني يدافع عن الأمة جمعاء بلحمه ودمه، ويحول دون تمدد المشروع الصهيوني الطامع بالنيل والفرات وما بينهما، فهل تتحرك جماهير الأمة قبل فوات الأوان وتفوز بشرف النصرة لمسرى النبي الكريم؟! وهل نجد من يسجلون أسماءهم بأحرف من نور في سجل الأحرار؟! فالتاريخ لا يرحم، ولا مكان فيه البتة لمكتوفي الأيدي، لكنه يحفظ جيدا من قاوم “ولو بعصا”.

شاهد أيضاً