بدأ النضال الفلسطينى مبكراً، وقبل إعلان قيام إسرائيل بأربعين عاماً على الأقل، ليأخذ فى البداية شكل العمل السياسى المنظم، والمقاومة المدنية التى تبلورت فى مظاهرات وهبّات واحتجاجات، ثم انتظمت فى أحزاب سياسية، ثم عرف الفلسطينيون طريقهم إلى حمل السلاح، حين أدركوا أن الهجرة اليهودية إلى بلادهم، لديها أهداف أخرى غير ما كان من قبل، حين كان اليهود يشكلون جزءاً من الشعب الفلسطينى، شأنه فى هذا شأن بقية البلاد العربية التى عاش فيها اليهود مع المسلمين والمسيحيين قروناً طويلة.
لم يجد الفلسطينيون أمامهم من سبيل سوى البحث عن السلاح حين رأوا أنهم أمام مشروع استيطانى إحلالى، يقوم على أكتاف عصابات صهيونية مسلحة تريد فرضه بالقوة، وتسعى إلى إقامة دولة على أنقاض فلسطين التاريخية، وهو ما بدأت خيوطه وخطوطه تتكشف شيئاً فشيئاً تحت نير الانتداب البريطانى، منطلقاً من وعد بلفور 1917 وما سبقه من تفكير وتدبير يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر.
ما فعله الفلسطينيون منذ مطلع القرن العشرين فى سبيل التصدى لهذا المشروع يرد على الكذبة والفرية التى راجت فيما بعد واتهمتهم بأنهم قد باعوا أرضهم، ولم يكن الأمر يتعدى بيعاً قام به غرباء وأجانب كانوا يقطنون فلسطين، وحتى القلة من الفلسطينيين التى باعت أرضاً زراعية وبيوتاً وحوانيت إنما كانت وقتها تبيعها ليهود كانوا جزءاً من دولة فلسطين، مثلما كان البيع والشراء بين اليهود والعرب قائماً فى مصر والعراق والمغرب واليمن.. إلخ.
لكن الدعاية الإسرائيلية التى عملت على إنهاء أو تخفيض التعاطف العربى الإسلامى، بل فى العالم الثالث وحتى الأحرار فى الغرب، مع القضية الفلسطينية روجت لهذه الكذبة، ووجدت من يرددها فى بلاد العرب إلى الآن، وهو ظلم شديد للشعب الفلسطينى الذى دفع ويدفع الكثير فى سبيل تقرير مصيره.
وأول انطلاق للكفاح الفلسطينى السلمى المبكر يتمثل فى «جمعية الاتحاد والترقى» التى ظهرت عام 1908 من خلال الجمعيات والمنتديات العلنية والسرية، السياسية منها والأدبية. كان من وسائل النضال التى اعتمدتها هذه الجمعية إصدار جريدة الكرمل سنة 1909، التى أعلنت رفضها التام للمخطط الصهيونى فى فلسطين.
وجاءت بعدها «جمعية الفدائية السرية» حيث تشكلت هذه الجمعية فى سنة 1919 وكان هدفها الأساسى إطلاق الكفاح المسلح ضد العصابات الصهيونية، ولعبت الجمعية دوراً مهماً فى انتفاضة عام 1920 التى اندلعت فى مدينة القدس، واستمرت إلى ما بعد عام 1947 الذى شهد قرار تقسيم فلسطين.
وهناك «حزب الاستقلال العربى»، الذى تأسس فى عام 1932 على يد لفيف من الشخصيات الوطنية التى قصدت مقاومة المشروع الصهيونى بالفكر إلى جانب القوة المسلحة، على رأسهم عزت دروزة وصبحى الخضراء وعونى عبدالهادى وأكرم زعيتر والدكتور سليم سلامة، وذلك بعد أن ساءت أحوال الفلسطينيين، وزادت الهجرة اليهودية إلى بلادهم، وتعاظم الخطر الصهيونى.
وجاءت ولادة هذا الحزب خلال تلك المرحلة استجابة لحاجة موضوعية إلى تنظيم الجماهير الفلسطينية، وتأكيد نضالها وهباتها العفوية الصادقة، ضمن استراتيجية جديدة تجعل على رأس أهدافها رفض الانتداب البريطانى، وتوجيه النضال ضده، وضد الاستيطان الصهيونى الناشط فى ركابه.
وقد تبنى هذا الحزب الميثاق القومى العربى وأقام عدة فروع له فى المدن والقرى الفلسطينية، ونشط فى تحريك الشباب العربى من أجل خدمة الحركة الوطنية فى فلسطين.
وفى عام 1934 قام «حزب الدفاع الوطنى» عقب انهيار حزب الاستقلال العربى لأسباب عدة منها تعاظم العصبيات العائلية، قام «النشاشيبى» بتأسيس حزب الدفاع الوطنى، الذى تزامن وجوده مع قيام جمال الحسينى، الذراع اليمنى للحاج محمد أمين الحسينى، مفتى فلسطين والزعيم السياسى الأول فى البلاد، بتأسيس «الحزب العربى الفلسطينى»، واستهدف الحزبان مقاومة المشروع الصهيونى والاحتلال البريطانى لفلسطين، وإن كان قد أخفق فى التعبير الكامل عن الرأى العام الفلسطينى فى هذه الآونة.
نقلا عن الوطن