في ظل الظروف السياسية الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ومواجهتها تحدّيات غير مسبوقة، جاء البيان الصادر عن المجلس المركزي بتاريخ 24 نيسان 2025 ليُشكّل منعطفاً هاماً بتحديد الأولويات الوطنية، ورسم استراتيجية المرحلة القادمة.
عكس البيان رؤية القيادة الفلسطينية لمجريات الأحداث من خلال مجموعة من التوجهات، سألقي الضوء على دلالات أربع نقاط مما جاء في البيان، هي: 1. أولوية وقف العدوان 2. مطالبة حماس بإنهاء سيطرتها على قطاع غزة 3. تنفيذ قرار المجلس الوطني المتعلق بزيادة نسبة النساء في المجلس 4. دعوة الدول لمزيد من الاعتراف بدولة فلسطين.
1. أولوية وقف العدوان.
وضع البيان لوقف العدوان والإبادة الجماعية كأولوية، يشير إلى توجه واضح لدى القيادة الفلسطينية لمعالجة التداعيات الإنسانية والسياسية الناتجة عن التصعيد في غزة والضفة، فهو يشير من ناحية إنسانية إلى ضرورة وقف معاناة المدنيين، وإلى نية صادقة لتهدئة الأوضاع الميدانية. كما أنّ في ذلك إعادة توجيه للجهود السياسية، وجعل نهج معالجة الأزمات الإنسانية أولوية قبل أيّ اعتبارات سياسية أخرى، ما يعكس إلتزاماً بمسؤولية القيادة نحو الشعب.
2. مطالبة حماس بإنهاء سيطرتها على القطاع، وإعادته لدولة فلسطين وسلطتها الوطنية.
يشير هذا إلى رغبة القيادة الفلسطينية لاستعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام الداخلي. كما يعكس أبعاداً عدة، كتعزيز الشرعية الوطنية، لأنّ إعادة القطاع لسيطرة دولة فلسطين، يعني توحيد المؤسسات السياسية والإدارية تحت مظلة واحدة، ووجود حكومة فلسطينية موحدة، ما يؤدّي الى استعادة ثقة المجتمع الدولي بالفلسطينيين، وبالتالي احتمالية زيادة الدعم السياسي والاقتصادي للقضية الفلسطينية. ناهيك عن أنّ إنهاء سيطرة حماس على القطاع ستعمل على تحسين الأوضاع الإنسانية فيه، حيث سيسهم توحيد الجهود بين الضفة والقطاع حتماً، بتحسين الوضع المعيشي والإنساني لسكان غزة.
تعكس هذه المطالبة إدراك القيادة الفلسطينية بأنّ الانقسام يضعف القضية الفلسطينية، وأنّ الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني بإقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية.
3. تنفيذ قرار المجلس الوطني بزيادة عضوية المرأة في المجلس بنسبة 30% .
يشير تنفيذ هذا القرار الى أنّ هناك إدراك متزايد بأهمية مشاركة المرأة بعملية صنع القرار وتعزيز تمكينها السياسي، التزاماً بمبادىء المساواة والعدل. كما يرسل رسالة تقدمية إلى الداخل والخارج، مفادها أنّ القيادة الفلسطيينة تسعى نحو التطور السياسي والاجتماعي، ما يعزّز صورة فلسطين كدولة ملتزمة بالمساواة والتمكين.
يتيح ذلك أيضاً طرح سياسات أكثر استجابة لاحتياجات المرأة والأسرة، ويعكس وجهات نظر متنوعة بالقضايا الوطنية، ويتماشى مع التوجه العالمي نحو تعزيز دور المرأة القيادي، ومع المعايير الدولية. هذا بالإضافة الى أنه يحقّق التوازن الاجتماعي بالتمثيل لشرائح المجتمع، ما يعزّز من شرعية المؤسسات السياسية.
4. الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
أمّا توجيه البيان دعوة لمزيد من الدول للاعتراف بدولة فلسطين، فإن ذلك يكرّس شرعية وجود الدولة الفلسطينية في المحافل الدولية ككيان سياسي مستقل، ما يعزّز من مكانتها وحقوقها في المجتمع الدولي. كما أنّ التأكيد على الاعتراف الدولي هو وسيلة لمواجهة المحاولات الصهيونية لتقويض الهوية الفلسطينية، وتقويض محاولاتها في فرض حلول أحادية الجانب على الأرض.
يتيح الاعتراف الدولي أيضاً للفلسطينيين فرصة أكبر للتحرك على الصعيدين الدبلوماسي والقانوني، واللجوء الى المنظمات والمحاكم الدولية، للعمل على محاسبة دولة الكيان.
من جانب آخر، قد يشكّل التركيز على الاعتراف الدولي، نوعاً من الضغط غير المباشر على الدول التي لم تعترف بعد بفلسطين، لتنضم الى الإجماع الدولي بدعم الحق الفلسطيني، وقد يشكّل الاعتراف دافعاً لتوحيد الجهود الداخلية لتحقيق الأهداف الوطنية.
ولا بد لي أن أعرّج الى أمر حيوي، وهو دعوة البيان المجتمع الدولي لدعم الخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار، حيث أنّ دعم الخطة قد يسهم بتوفير الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات التي دمرت، ويسهم بمواجهة التداعيات الاقتصادية للعدوان في غزة والضفة، ويساعد بانتعاش الاقتصاد المحلي.
أمّا توجه البيان للقمة العربية القادمة في بغداد لتفعيل آلية العمل العربي المشترك لوقف العدوان، فإنّ في ذلك تعزيز للتضامن العربي، ووحدة الصف العربي بالتعامل مع القضية الفلسطينية، وهذا يدعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية، كما يشكّل العمل الجماعي العربي قوة ضغط أكبر على المجتمع الدولي لإيجاد حلول عادلة للقضية برمتها.
ختاماً، يمكن القول بأنّ البيان يهدف الى تسليط الضوء على أهمية حل الدولتين، وضرورة الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية، لتحقيق السلام العادل والشامل، ويبقى خطوة مهمة نحو خطوات تنفيذية واضحة، آملين نجاح تطبيقه، وتجاوب المجتمع الدولي مع توجهاته.
عن وكالة معا