الكاتب الإسرائيلي حاييم لفينسون (وهو معارض شديد لنتنياهو)، في صحيفة هارتس، في 9 إبريل / نيسان الحالي 2024م يقول: “لقد خسرنا الحرب”، و كتب الصحافي حاجاي هوبرمان في موقع القناة السابعة اليميني أن “حرب “سيمحات توراة” (نزول التوراة) انتهت بهزيمة إسرائيلية.
وقال الكاتب الإسرائيلي آلون مزراحي[1] على حسابه في منصة إكس[2] إن ما يزداد وضوحا في هذه اللحظة الفريدة هو أن (حماس) التي وصفها بالحركة الفلسطينية الصغيرة، لم تهزم “إسرائيل” فحسب، بل هزمت الغرب بأكمله، وغيرت مسار التاريخ خلال الشهور الستة الماضية. وعدّد الكاتب الإسرائيلي ما اعتبرها بعض أوجه الانتصار الذي حقّقته حماس برأيه، قائلا إنها انتصرت في ميدان المعركة بقطاع غزة، وانتصرت في معركة كسب الرأي العام، واستفادت بشكل مذهل من قراءتها للعقلية الإسرائيلية، وتمكنت بالإضافة إلى ذلك من استخدام كل ما لديها من موارد بكفاءة عالية.
وأضاف لم يتم تدمير “حماس” أو تفكيكها، وما زالت تحتفظ تقريبا بكل الأسرى الذين أخذتهم قبل 6 أشهر، ولم تستسلم لأي ضغط، وما زالت تعمل وفعالة، في قطاع صغير محاصر ومدمّر تماما.
في المقابل تجد “نتنياهو” مجتهدًا في أنه يسعى نحو النصر كما يقول مكررًا!
وكذلك الأمر ما يتعلق ب”حماس” التي ترى نفسها منتصرة، لأنها تحافظ على وجودها كفصيل في غزة! بعيدًا عن حقيقة الأهداف المعلنة باليوم الأول، وبغض النظر عن النتائج الكارثية للبلد الذي عاد للعصر الحجري، وبعيدًا عن آلاف الموتى والجرحى من الشعب الفلسطيني المنكوب وبما لم يسبق له مثيل بتاريخ فلسطين والمنطقة.
يقول الكاتب أ.د.محسن صالح في مقال له بتاريخ 12 إبريل 2024م أن العدوان “فشل في تحقيق أهم أهدافه وهو سحق حماس”!؟ ويضيف أنه أيضًا فشل “حتى الآن في إيجاد حكم بديل لحماس في القطاع”. ورغم أن الواقع مخالف لاستنتاجه القائل: “أن الكيان الإسرائيلي بطبيعته لا يتحمل استمرار الحروب والاستنزاف طويل الأمد”، إذ ها هو العدوان في شهره السابع والثامن، ويتواصل بشراسة مقتلعًا كل ما فوق الأرض من بشر وحجر وشجر! فإن رأيه جدير بالنظر من الزاوية التي يرى بها،لاسيما أن الكثير يعتنق مثل هذا الرأي.
يكتب مأمون فندي[3] أن “السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لم يكن هزيمة عسكرية لجيش نتنياهو الذي لا يقهر ومخابراته التي لا تنام فحسب، بل كان هزيمة سياسية واجتماعية لمشروع الفصل العنصري الذي تبنته “إسرائيل” من أجل إدارة الصراع مع الفلسطينيين لشراء الوقت من خلال اتفاقات تكتيكية كاتفاق أوسلو، الذي اشترى للإسرائيليين ربع قرن من السلام المؤقت. السابع من أكتوبر كان رسالة بأن فلسفة إدارة الصراع وشراء الوقت استراتيجية فاشلة ومصيرها الانهيار في أي وقت وبشكل مفاجئ وتكلفة عالية.”
ويضيف الكاتب قائلًا: “أن محاولة “إسرائيل”، وحزب الليكود خصوصاً، استبدال عمليات مرحلية من إدارة الصراع بحل الدولتين بوصفه حلاً نهائياً لشراء الوقت فشلت، وفشلت على محورين: المحور العسكري من خلال مفاجأة السابع من أكتوبر، والمحور الأخلاقي فيما يخص استدامة سياسة الفصل العنصري بوصفه حلاً لاستقرار الدولة والمجتمع في “إسرائيل”.
والى ذلك كان فندي قد افتتح مقاله بالقول:” أنه ليست في العلوم السياسية نظرية للنصر، وقلت يومها إن كثيراً من المختصين في العلوم السياسية والاستراتيجية ربما لا يعلمون أنه، حتى الآن، ليست هناك نظرية متكاملة للنصر “Theory Of Victory””.
بينما في مقارنة بين حزب الله وبين “حماس” يقول خالد البري[4]:”حاولت “حماس” أثناء الصراع، من خلال جهازها الإعلامي، أن تمهد الأجواء لإعلان “نصر إلهي”؛ لكن الفروق المشار إليها أدّت إلى مدّ أمد الصراع، وارتفاع أعداد الضحايا، وانكشاف «حماس» إلى وضع أسوأ.”
وفي إطار الاستشهادات لكل مؤيدي “حماس” بآراء الإسرائيليين الحريصين على نظامهم وينتقدون تقصيره أو تقصير حكومتهم، يبرز التعظيم للذات بمنطق الانتصار من قول المخالفين الإسرائيليين مما نقرأه جميعًا ومما قاله مؤخرًا د.موسى أبومرزوق باللقاء مع عمرو أديب حيث صرّح: “سننتصر ونهدي النصر لسيادته (يقصد الرئيس المصري هنا) وكل الزعماء العرب قريبا والله، خاصة أن الإسرائيليين يقولون داخل تل أبيب إن حماس انتصرت!؟[5]”.
دعنا نقول أنه من المعتاد أن يتم الاستشهاد بالعدو حين يتكلم بما يُشبع رغباتنا، أو آمالنا أواستنتاجاتنا، أو بما يخفّف احساسنا بالفشل والتِيه والضلالة، أو سوء الإدارة، ويصدّق ما أقنعنا أنفسنا به ونعتبر كلامه مصدقاً أودليلًا على صحة ما نريد.
فمادام أعداء نتنياهو يعلنون فشله على سبيل المثال، فنحن بهذه الحجة نتقدم! ورأينا صواب أونحن انتصرنا، هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية فإننا نلغي حقيقة التفكير بمعنى النصر أوالنجاح من زاوية عقلية وانسانية! أومن زاوية الأهداف المعلنة لنا، والأهداف تلك العميقة أوالمخفية للعدو، فما بالك حين نقارنها بأهدافنا نحن التي أعلناها في البداية! وحين انحسار الكارثة!؟
ومن جهة أخرى فإن طبيعة التعريف للمفهوم أو الفكرة تحدد مسار الفكرة فإن كان الهدف أوالنتيجة المتوخاة من الفعل هي الحفاظ على “حماس” كفصيل يتنفس فهو النصر فعلًا. إذ أنها مازالت موجودة بالقطاع صحيح، وإن مثخنة وبشكل أضعف بكثير من السابق، ولمن يريد أن يسمى هذا نصرًا كما يسمى انفصالها عن الضفة وحكمها الحزبي لغزة انتصارًا لمعركة الفسطاطين/المعسكرين فله ذلك. أما من يضع في ميزان الربح والخسارة عوامل أخرى-على رأسها حجم الضحايا الكارثي المهول- فقد يجد النظر مختلفًا كليًا.
بجميع الأحوال فإن الحوار والنقد والمراجعة للفكرة والمفاهيم وهو ما نؤكد عليه دومًا يجب أن يكون متاحًا وليس منجرفًا في بوتقة الانفعالات وحالة التهييج العاطفي الفضائي الموجّه، والتحشيد إما هذا وإما “ذاك”، و”ذاك” هو المشبوه والكافر والعميل؟! أو الذباب الالكتروني!
إن الانجاز أو النجاح أو النصر يتحقق حين تتحقق الأهداف الموضوعة بداية الخطة، أو العملية، أو المشروع وهو ما لم يحصل فيما تم الاعلان عنه من قبل “حماس” اليوم الأول، وكذلك الأمر مع ما أعلنه نتنياهو على الملأ من القضاء على فصيل “حماس”، ورغم عدم دقة هذه المقارنة برأينا فإن خسارة الجماهير والأرض وتراجع أهداف الطوفان تعدّ تراجعًا كبيرًا عن تحرير فلسطين والأقصى، الى فتح شارع الرشيد وعودة النازحين الى الشمال الغزي.
حين وضع حجم الدمار والإبادة بحُسبان أو ميزان النصر والهزيمة أو الربح والخسارة أي ضمن المعايير والمقياس فإن الرؤية والنتيجة تختلف كليًا. إذ يصبح أن الإسرائيلي قد حقق جلّ أهدافه هنا حيث ما يزيد على 100 ألف شهيد وجريح، و100 ألف خرجوا من غزة، والملايين قد فقدت كل ما لديها، وبالنظر لحجم الدمار والإبادة حتى الثقافية والنفسية والروحية، فلنا هنا إن استخدمنا مقياس حجم الدماروالجماهير وثباتها كما أسلفت أن نقول أن الخسارة الضخمة متحققة.
كنا قد سبق وكتبنا أن لمجلس الحرب الصهيوني وعلى رأسه الإرهابي “نتنياهو” 3 طبقات من الأهداف الأولى أهداف انتخابية خاصة لنتنياهو بالحفاظ على رأسه وتحالفاته، والثانية متمثلة بالأهداف الظاهرة المعلنة من القضاء على فصيل “حماس” المسلح والحاكم الأوحد للشطر الجنوبي من دولة فلسطين، والطبقة الثالثة المخفية أوالمخبئة عن اللسان من أهداف “نتنياهو” وهي قتل وسحق الشعب الفلسطيني وتدميره وتهجيره وتحويل أرضه للعصر الحجري. فإن كان نتنياهو ومجلس حربه فشل وانهزم في الطبقتين الأوليين من الأهداف فقد انتصر نصرًا ساحقًا ماحقًا بالدموية والقتل والتدمير وأبادة الشعب الفلسطيني أي بالطبقة الثالثة من الأهداف؟
إن الأهداف العميقة للكيان الصهيوني بصيغة أخرى هي القضاء على القضية الفلسطينية شعبًا وأرضًا ورواية ودولة وأحلامًا (أنظر فكرة تغيير المناهج وإلغاء الأنروا، وتوسيع المستعمرات، وقطع معاشات الشهداء والأسرى، ورفض السلطة، ورفض الإسرائيلي لحركة فتح ورفض حماس ورفض الدولة الفلسطينية…) والدفع باتجاه التهجير بالضفة وفي غزة، لذلك كان من الضروري-ضمن حرب الإبادة الصهيونية والتطهير العرقي-تحويل غزة الى العصر الحجري، فلا تصبح قابلة للحياة وإنما قابلة للهروب منها والخروج أو التهجير -أسميته طوعيًا أو جبريًا- لذا فلا قيمة لسحق أوعدم سحق حركة فتح أو حماس أو الجبهة الشعبية مقابل أن القضية ككل والشعب ككل والدولة الفلسطينية ككل هي المستهدفة. (سلسلة نجمعها تحت عنوان: النقد المحرم وجريمة التفكير)[6]
الحواشي:
[1] عن موقع قناة الجزيرة القطرية.
2 يكتب الى جوار اسمه بالانجليزية أنه بدون مساواة لاحرية. Alon Mizrahi I without equality there’s no freedom ويعرف نفسه أنه: مفكر وكاتب ومتحدث مناهض للمؤسسة ومناصر للإنسانية من “إسرائيل”.
3 مقال مأمون فندي في صحيفة الشرق الأوسط 6/5/2024م تحت عنوان: نظرية الهزيمة: إعادة التفكير في السابع من أكتوبر
4 مقتبس من مقال خالد البري المعنون: مستقبل «حماس» من ماضي «حزب الله».
5 لقاء د.موسى أبومرزوق مع عمرو أديب في 6 مايو 2024م.
6-سنناقش لاحقا مفهوم الثورة والمقاومة، ومفهوم آخرللنصر ومفهوم الشهادة… لتكون ضمن كتيبنا القادم المعنون النقد المحرم وجريمة التفكير.
[1] عن موقع قناة الجزيرة القطرية.
[2] يكتب الى جوار اسمه بالانجليزية أنه بدون مساواة لاحرية. Alon Mizrahi I without equality there’s no freedom ويعرف نفسه أنه: مفكر وكاتب ومتحدث مناهض للمؤسسة ومناصر للإنسانية من “إسرائيل”.
[3] مقال مأمون فندي في صحيفة الشرق الأوسط 6/5/2024م تحت عنوان: نظرية الهزيمة: إعادة التفكير في السابع من أكتوبر
[4] مقتبس من مقال خالد البري المعنون: مستقبل «حماس» من ماضي «حزب الله».
[5] لقاء د.موسى أبومرزوق مع عمرو أديب في 6 مايو 2024م.
[6] سنناقش لاحقا مفهوم الثورة والمقاومة، ومفهوم آخرللنصر ومفهوم الشهادة… لتكون ضمن كتيبنا القادم المعنون النقد المحرم وجريمة التفكير.