نيويورك تايمز: عدوانية إسرائيل تستند إلى القوة وشريعة الغاب

السياسي – في تقرير لافت نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، حذّر محرر شؤون الشرق الأوسط بن هوبارد من أن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، تكرس “نظاماً عالمياً جديداً”، لكنه في جوهره “نظام قديم قائم على القوة وشريعة الغاب، وإن كان بتكنولوجيا وأسلحة القرن الحادي والعشرين”.

وجاء نشر التقرير في أعقاب الغارات التي نفذتها الولايات المتحدة أول أمس السبت على منشآت نووية إيرانية، وهو تطور غير مسبوق في المواجهة الأميركية – الإيرانية، من شأنه أن يفتح أبواب التصعيد على مصراعيها.

ويرى محللون نقلت عنهم الصحيفة أن إيران قد تردّ بطرق غير مباشرة، سواء عبر استهداف القواعد الأميركية أو الحليفة في الشرق الأوسط، أو من خلال تشجيع أذرعها الإقليمية مثل الحوثيين على تعطيل طرق التجارة وضرب منشآت الطاقة، مما قد يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي.

وأكدت البروفيسورة نرجس باجوغلي من جامعة جونز هوبكنز، والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، في حديثها للصحيفة أن واشنطن “فتحت صندوق الشرور”، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن “إيران لن ترفع الراية البيضاء”.

يرصد التقرير تحولات جذرية طرأت على ميزان القوى في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تحولت دولة الاحتلال من التركيز على مواجهاتها مع الفلسطينيين، إلى حرب علنية ضد إيران، بعد سنوات من الاكتفاء بالعمليات السرية والاغتيالات.

وبحسب التقرير لطالما تجنبت دولة الاحتلال، خوض مواجهة مفتوحة مع إيران خشية رد فعل انتقامي من قبل الفصائل المتحالفة مع طهران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

غير أن الوضع تغير بعد هجوم 7 أكتوبر “الذي زرع شعوراً عميقاً بالهشاشة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، ما جعلها أكثر ميلاً للعدوان وتوسيع رقعة المواجهة خارج حدودها”.

استعرضت نيويورك تايمز كيف أن دولة الاحتلال نجحت خلال السنوات الأخيرة في ترميم علاقاتها مع عدد من الدول العربية، مستفيدة من المخاوف الخليجية تجاه إيران.

وبدلاً من أن تبقى معزولة كما في السابق، أصبحت تل أبيب في نظر بعض الأنظمة العربية شريكاً محتملاً، ما سهّل عمليات التطبيع وصفقات السلاح والتعاون الأمني والاستخباري.

هذا التحول، تقول الصحيفة، جعل دولة الاحتلال أكثر ثقة، وأقل التزامًا بأي قواعد دولية، ما دامت تمتلك القوة العسكرية والدعم الغربي، خصوصاً من واشنطن، التي لا تتردد في استخدام الفيتو في مجلس الأمن لحمايتها من أي مساءلة أو محاسبة.

يستعرض التقرير مثالاً صارخاً على هذا الواقع، حيث لا تُتوقع مساءلة دولة الاحتلال بشأن استهداف المدنيين والمستشفيات والمنشآت الحيوية.

فالاحتلال الإسرائيلي ارتكب جرائم موثقة بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، ومع ذلك لم يتحرك المجتمع الدولي بأي صورة فعالة.

وفي ظل انعدام المحاسبة، ترى الصحيفة أن ما يحصل ليس سوى ترسيخ لقواعد “شريعة الغاب” الدولية: القوي يضرب، والضعيف يتلقى، والقانون لا يطبق إلا على من لا حماية دولية له.

لم تُبدِ نيويورك تايمز تفاؤلاً بإمكانية تحرك مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب، في ظل التوقعات المؤكدة بأن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار أو يدين دولة الاحتلال. وبهذا، تُمنح تل أبيب ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تفويضاً مفتوحاً بالتصعيد، من دون رادع أو مساءلة.

وترى نرجس باجوغلي أن هذا الواقع الدولي أعطى ترامب ونتنياهو شعوراً بالقدرة على “التحرك بحرية”، وتوظيف الفوضى لفرض وقائع جديدة في الإقليم، متجاوزين كل ما تبقى من شرعية دولية أو أعراف سياسية.

وختمت الصحيفة تقريرها بالتحذير من أن العالم يشهد الآن تحوّلاً لا يُبشّر بالاستقرار، بل بالعودة إلى زمنٍ كانت فيه القوة وحدها تصنع السياسة. لكن هذه المرة، السلاح ليس سيفاً أو مدفعاً فقط، بل تكنولوجيا دقيقة وطائرات شبح وصواريخ ذكية، تُستخدم لخدمة سياسة لا تقلّ وحشية عن شريعة الغاب.

في هذا السياق، تصبح دولة الاحتلال، كما تصفها الصحيفة، “نموذجاً متقدماً لسياسات الهيمنة في القرن الحادي والعشرين”، حيث تُستغل التكنولوجيا لفرض الاحتلال، ويُستغل التحالف مع الغرب لتقويض القانون الدولي، بينما يُترك المدنيون وحدهم لمواجهة الجحيم.