هآرتس: لا دليل على وجود «قنبلة متكتكة» في جنين

بقلم: عاموس هرئيل:

يُفضل التعامل بشيء من التشكك مع بيانات جهاز الأمن بأن الخلية في جنين هي “قنبلة متكتكة”. وجهت عملية الجيش الإسرائيلي، “اليمام” و”الشاباك”، صباح أول من أمس، في مخيم جنين ضد مجموعة خطيرة وعنيفة من المسلحين الفلسطينيين. كان بعض القتلى في العملية متورطين في إطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي في السابق. يبدو أنهم بدؤوا، مؤخراً، أيضاً في التخطيط لتنفيذ عمليات طموحة أكثر بوساطة العبوات الناسفة. ولكن “قنبلة موقوتة”، كما نتذكر في الانتفاضة الثانية، هو مفهوم مرن جداً، وتمتد حدوده طبقاً لرغبة المستخدم. في هذه الحالة، ليس تفسيره بالضرورة أنه تم احباط عملية قبل لحظة من الانطلاق. حتى الآن لم يتم عرض أي دليل راسخ على ذلك.

مرت العملية بكل مراحل المصادقة المطلوبة، حتى قائد المنطقة الوسطى، مع تحديث من رئيس الأركان. ضم التنظيم في جنين بضعة نشطاء من الذراع العسكرية لـ “الجهاد الإسلامي”، الذين بعضهم مرتبط أيضا بالشبكة المحلية لـ “أبناء المخيم” الموازية لـ “عرين الأسود” في نابلس.

كان معروفاً لـ “الشاباك” أنه كان يوجد في مبنى في المدينة، أول من أمس، عدد من النشطاء المسلحين، المرتبطين بالإعداد لتنفيذ عمليات. إزاء الفرصة لاعتقالهم تمت المصادقة على البدء بالعملية وبتوقيت استثنائي، الساعة السابعة صباحاً. تقريباً أي دخول الى مخيم جنين يرافقه الآن اطلاق كثيف للنار. وعملية في وضح النهار تزيد خطر ذلك. ولأن السلطة الفلسطينية لا تسيطر بالفعل على مخيم جنين للاجئين فإنه لم يتم فحص التوجه الى الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاعتقال المشبوهين، كما يحدث أحياناً في بعض مدن الضفة.

عندما اقترب جنود “اليمام” من البيت الذي كان يوجد فيه المطلوبون تطور تبادل لاطلاق النار، الذي قتل خلاله عدد من الفلسطينيين من بينهم اثنان من المسلحين ممن حاولوا الهرب من المكان. من هنا بدأت الأمور تتعقد. فقد وجد رجال الشرطة أنفسهم يديرون معركة مع عشرات المسلحين في الوقت الذي تدفق فيه الى المنطقة فلسطينيون آخرون وهاجموا بالنار قوات الجيش الإسرائيلي التي تواجدت في الغلاف الخارجي. انتشرت في شوارع المخيم متاريس مرتجلة بهدف التشويش على حركة القوات. رشق مئات السكان الحجارة وألقوا الزجاجات الحارقة على الجنود وعلى رجال الشرطة. خرج هؤلاء من المخيم بعد ثلاث ساعات تقريباً بدون أي إصابات. وقد تركوا وراءهم تسعة قتلى فلسطينيين معظمهم نشطاء في التنظيمات الفلسطينية، وعشرات المصابين. في اليوم ذاته قتل فلسطيني آخر عندما أُطلقت عليه النار من قبل الجنود في مواجهات في الرام.

جاء الدخول الى مخيم جنين بعد أسبوع منضبط نسبياً في الضفة الغربية، بمفاهيم الأشهر الأخيرة. ولكن أيضا في هذه الأيام كانت هناك محاولات لتنفيذ عمليات مثل الحادثة التي حاول فيها احد نشطاء “حماس” طعن جنود من “غولاني” على حاجز قرب مستوطنة كدوميم، وأطلقت النار عليه وقُتل. ولأنه تبرز على الفور نظريات تآمرية، يجدر التوضيح الآن بأن المستويات العملياتية التي عملت على التخطيط للعملية لم تخطط لإشعال “المناطق” من أجل حرف الانتباه عن النقاش العام والإعلامي حول الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي الذي يقوم به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. ولكن عملياً هذا يمكن أن يكون النتيجة النهائية بسبب العلاقة القديمة بين قطاع غزة وبين ما يحدث في جنين.

جنين منطقة “الجهاد الإسلامي” فيها قوي نسبياً. لذلك، مثلما في حالات سابقة قتل فيها نشطاء من “الجهاد” في المدينة، تبلور على الفور تحذير استخباري بشأن اطلاق انتقام لأصدقائهم في التنظيم في قطاع غزة، تقريباً هكذا، يجب التذكير، بدأت العملية الأخيرة في القطاع، “بزوغ الفجر”، في آب الماضي. قام الجيش باعتقال شخص كبير من “الجهاد” في جنين. استعد التنظيم للقيام بعملية انتقام وفي النهاية كانت إسرائيل أول من ضرب عندما اغتالت شخصية كبيرة أخرى من “الجهاد” في غزة. كانت النتيجة ثلاثة أيام من القتال، أطلقت فيها الصواريخ من القطاع على بلدات غلاف غزة وعلى مركز البلاد.

لكن حقيقة أنه هكذا تدحرجت الأحداث لا تعني أن نتنياهو لا يمكنه استغلالها الآن لصالحه. فترة توتر أمني، يمكن أن تشرك أيضا مركز البلاد، هي حرف انتباه ممتاز عن احتجاج الجمهور الآخذ في الاتساع ضد سياسته. صباح أول من أمس بدأ سلسلة بيانات لصناديق كبيرة بملكية إسرائيليين، عن تحويل استثمارات من داخل الدولة على خلفية معارضة الانقلاب النظامي. في منتهى السبت يتوقع مجيء عشرات آلاف المتظاهرين الى تل أبيب الى اعتصام الاحتجاج للأسبوع الرابع. اذا كان بالإمكان إعادة النقاش في نهاية الأسبوع حول شر أعدائنا وفي الطريق الى اتهام اليساريين بأنهم ينشغلون بصغائر الأمور في الوقت الذي يهاجم فيه العرب، فهذه ستكون فرصة لن يسمح “الليكود” لنفسه بتفويتها. هنا وجدت مشكلة. نتنياهو، كما وصف هنا اكثر من مرة، اتخذ في معظم سنوات حكمه سياسة أمنية حذرة ومسؤولة. فقد قلل من المخاطرة بخطوات غير مطلوبة، وكان حذراً جداً من خطر التورط في عمليات يمكن أن تكلف حياة الكثير من الجنود. ولكن أيضا هناك أشياء تعلمناها في الأسابيع المعدودة منذ عودته الى الحكم. ففي نهاية المطاف هذه حكومة تقوم بالكذب أثناء التنفس. هذه ليست نقطة انطلاق جيدة لإقناع المواطنين، الذين صوت نحو نصفهم ضدك، بطهارة نواياك في الوقت الذي فيه الأجواء مشبعة ببخار الوقود ويدك على المقود الأمني.

مرة أخرى ينتظر رئيس جهاز الأمن دورٌ حاسمٌ وهو الحفاظ على خط رسمي ومهني. هذا صحيح وراء الأبواب المغلقة، بالأقوال التي تقال في المشاورات مع المستوى السياسي، وهذا صحيح أيضا بخصوص الدقة المطلوبة في بيانات موجهة لوسائل الاعلام من قبل المتحدث بلسان الجيش والمتحدث بلسان “الشاباك”. حول موثوقية المتحدثة بلسان الشرطة، التي تعمل مؤخراً مبعوثة سياسية واضحة ومستخذية للوزير ايتمار بن غفير، لم يعد هناك ما يبنى عليه من توقعات.

بخصوص بن غفير من الجدير فحص درجة تأثير الوزير الجديد للأمن القومي على سلوك قوة “اليمام” وجنود حرس الحدود الخاضعين له على الأرض، طوال الوقت. رؤساء الأركان، الخارج والداخل، يمكنهم التحدث قدر ما يريدون عن سلسلة القيادة الوطيدة والتعهد بأن القائد العسكري فقط هو الذي يقرر أوامر فتح النار. على الأرض هناك تأثير لأقوال الوزير المسؤول، الذي يطلب من ضباط الشرطة أن يحضروا المزيد من جثث “المخربين”، وهو لا يتأثر جداً اذا وجدت امرأة فلسطينية مسنة في ساحة تبادل إطلاق النار.

في هذه الأثناء خرج وزير الدفاع، يوآف غالنت، في رحلة خاصة الى الولايات المتحدة عشية العملية. مكتبه، الذي نشر بياناً عن مشاركته في تقدير الوضع الأمني، أول من أمس، بعد الظهر نسي بشكل ما أن يخبر الجمهور بأن هذا الامر تم عن بعد. في الوقت الذي تواجه فيه حكومة نتنياهو الجديدة الازمة الأمنية الأولى لها فإن وزير الدفاع الفعلي لدولة إسرائيل هو ايلي كوهين، الشخص الذي فقط قبل نحو شهر تمت ترقيته الى منصب وزير الخارجية، أما غالنت فيمكنه تعزية نفسه بأن هذا المنصب على الأقل لم يتم وضعه في يد خصمه الجديد، الوزير في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش.

بين البؤر الاستيطانية

معركة الصلاحيات في “المناطق” بين غالنت وسموتريتش يمكن أن تتفاقم قبل أن يتم حسمها بشكل نهائي. مساء يوم الثلاثاء الماضي عقد نتنياهو جلسة أخرى حول هذا الامر بمشاركة الوزيرين، ووزير العدل ياريف لفين، وثلاثة جنرالات في الجيش وجهات رفيعة أخرى. في نهاية المطاف قرر نتنياهو، بصورة غير مميزة له، عدم التقرير. فقد طلب من الطرفين تقديم المبررات، باختصار وخطياً. مع ذلك، تقول التسريبات من الحكومة إنه في نهاية المطاف سيحسم نتنياهو لصالح سموتريتش. في النهاية هو الذي يمسك بالتهديد السياسي الأكبر، كرئيس لقائمة في الائتلاف، في حين أن غالنت (الليكود) لا توجد له قوة مستقلة.

هذا كما يبدو ليس أكبر مشاكل إسرائيل في هذه الاثناء، ويصعب التنافس مع الانقلاب النظامي، لكن بتأخير إعلان قراره فان نتنياهو يعزز وضعاً غير معقول، إما أن توجد في “المناطق” الآن منظومتان متنافستان للدولة أو أن الاتفاق الائتلافي مع الصهيونية الدينية، الذي وعد فيه بنقل الصلاحيات في “المناطق” الى سموتريتش ببساطة لا يتم تنفيذه.

قبل بضعة أيام من ذلك التقى سموتريتش ورجاله في لقاء تعارف مع منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، الجنرال غسان عليان، وضباطه الكبار. كان هذا لقاء متوترا جدا، نقل الوزير خلاله لمنسق أعمال الحكومة في “المناطق” بضعة تعليمات للتنفيذ. لم تنفذ هذه التعليمات حتى الآن. في جهاز الأمن أوضحوا بأنها “مجمدة في هذه الأثناء”، بكلمات أخرى، ينتظر عليان قرار المسؤول الحالي عنه، غالنت.

كررت الأمور نفسها أيضا في قضية البؤرة الاستيطانية “أور حاييم”، التي أقيمت قبل أسبوع بدون ترخيص من جهاز الامن، لكن من خلال موافقة بالغمز من رؤساء الصهيونية الدينية. عندما حاول سموتريتش تأخير الإخلاء، بتعليمات مباشرة للمنسق، اكتشف أن غالنت، على عاتق نتنياهو، اعطى توجيهات بإخلائها. اضطر الوزير الجديد الى الاكتفاء ببيان إدانة وعدد من التهديدات غير المباشرة في تويتر. ولكن في الجيش يعرفون أن القصة لم تنته. أعضاء البؤر الاستيطانية، الذين يشغلون قنوات تنسيق مع سموتريتش وبن غفير، يمكن أن يحاولوا تحدي المنظومة السياسية بعمليات مشابهة من إقامة البؤر على الأرض، وربما في عدة أماكن في الوقت ذاته.

في الخلفية بقيت قضيتان على الأرض لم يتم حلهما، تدحرجتا من فترة الحكومة السابقة، وهما حومش وافيتار. في الأولى ينتظر الجيش تعليمات إخلاء للمدرسة الدينية التي أقيمت بشكل غير قانوني في موقع المستوطنة التي أخليت أثناء الانفصال في 2005 ووضع فصيل لتأمين من يمكثون فيها. في حين أن الحكومة الجديدة تتحدث عن إلغاء قانون الانفصال بصورة ستشرعن استمرار وجود المستوطنين في حومش، لكن هذا الأمر لم يتم بعد. في قضية أفيتار، المستوطنون في الحقيقة تم إخلاؤهم بالاتفاق من البؤرة الاستيطانية التي أقاموها في فترة عملية “حارس الأسوار” في 2021، لكن في المكان بقيت قوة عسكرية صغيرة، وأيضا هنا لم يتم اتخاذ أي قرار بعد.

لا يعتبر الصراع القائم بين الوزيرين فقط خلافاً تقنياً على صلاحيات أو معركة على السيطرة والقوة. من ناحية سموتريتش فإن الحكومة الجديدة تخلق فرصة لمرة واحدة، أكثر يمينية من هذه الحكومة لن يكون. لذلك، تطبيق الاتفاق الائتلافي يمكن أن يستخدم خشبة قفز لتغيير الحقائق على الأرض. ومثلما نشر في “هآرتس” فان المدعية العسكرية الرئيسية، الجنرال يفعات تومر يروشالمي، حذرت في الجلسة من أن نقل الصلاحيات المدنية في “المناطق” يمكن أن يحث منظمات دولية على القول بأن إسرائيل تنفذ ضما فعليا لـ “المناطق”. إن زيادة تدخل الوزارات الحكومية في الضفة الغربية على حساب صلاحية الإدارة المدنية ستحول الضفة وبحق الى نوع من محافظة أخرى من ناحية الدولة. هذا ربما ليس استكمال عمل الاحتلال، لكن بوضوح ستكون هنا خطوة أخرى للتطبيع الزاحف له.

حسب سموتريتش، الذي لا يتأثر بالانتقاد الدولي المتوقع، يجب نقل جميع القرارات بشأن احتياجات المستوطنين اليه، في حين أن الجيش وغالنت يمكنهم مواصلة الانشغال بقضايا امنية واضحة. في حين أن القرارات حول المسائل الحساسة لإزالة البناء، اليهودي والعربي، على الأرض، ستتخذ بصورة مشتركة مع تدخل من نتنياهو. يعتقد غالنت في المقابل أن الاحتياجات الأمنية والجوانب المدنية لا يمكن فصلها، وأن الكل يجب أن يتم فحصه عن طريق سلسلة القيادة العادية في الضفة: قائد المنطقة الوسطى (الى جانبه المنسق)، رئيس الأركان، ووزير الدفاع، الذي هو مستعد للتنازل ربما عن صلاحيات هامشية، لكن القوة يجب أن تبقى لديه. من اجل أن لا تندلع على الأرض حرائق أمنية نتيجة عمليات استيطان غير منسقة. رغم أن الكفة تميل لصالح سموتريتش إلا أن غالنت ما زال يبث، هذا الأسبوع، التصميم. ضباط في قيادة المنطقة الوسطى، خلافاً لمكتب منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، ما زالوا لا يشعرون بأن الوقت قد تغير.

شاهد أيضاً