تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه يدرس إصدار أمر لإسرائيل بالإفراج عن مروان البرغوثي يُعدّ إذلالاً قاسياً لبنيامين نتنياهو، الذي كرس حياته لإحباط قيام دولة فلسطينية. البرغوثي سيُستقبل في العالم كنيلسون مانديلا، وإطلاق سراحه سيخلق زخماً لإقامة دولة فلسطينية لن يتمكن نتنياهو من وقفه. لا خوف من “يغئال عمير” جديد في أيامنا؛ فالعنف السياسي داخل إسرائيل لن يستطيع أن يمنع قيام الدولة الفلسطينية، لأن القرار لن يُتخذ في إسرائيل أصلاً. لا يوجد زعيم إسرائيلي واحد سيجرؤ على أن يقول لترامب ألا يُفرج عن مروان البرغوثي، ولا من سيعلن ضم الضفة الغربية رغم أن ترامب يمنع ذلك.
ترامب يدفن في هذه الأيام حلم “أرض إسرائيل الكاملة” الذي تبناه اليمين الإسرائيلي. في السجن يُهين بن غفير البرغوثي، بينما في العالم يُكرّم ترامب البرغوثي ويُهين بن غفير. سينوار مات، ومعه مات حلم “أرض إسرائيل الكاملة” كمشروع قابل للتنفيذ، بينما فكرة الدولة الفلسطينية عادت إلى الحياة. ماكينة التحريض التابعة لليمين لن تؤثر في ترامب، إذ لا يملك اليمين الإسرائيلي الأدوات لمواجهته.
في حركة جدلية مذهلة من التاريخ، تحوّل ترامب من “مخلّص” المسيحانية الإسرائيلية إلى مدمّرها. أبرز خصوم نتنياهو – بينيت وأيزنكوت وليبرمان ولبيد – لا يمدّون يدهم للسلام مع الفلسطينيين، ولا يدعون إلى إطلاق سراح البرغوثي تمهيداً لصنع سلام معه، بل يعارضون إقامة دولة فلسطينية ويدعمون الضم. لا يوجد اليوم زعيم إسرائيلي وسطي يُعرف بالسلام كما كان إسحق رابين في زمانه.
ترامب أغوى اليمين الإسرائيلي حتى جعله يُتوّجه قائداً ملهَماً، ثم انقلب عليهم. واكتشفوا، بعد فوات الأوان، أن من يقف على رأسهم هو خصمهم الأيديولوجي. سحق ترامب لحلم “أرض إسرائيل الكاملة” سبب وجيه للاحتفال في الشوارع، ويُرجى أن يُطلق سراح البرغوثي. يا لها من سخرية جميلة ومدهشة: ما من جماعة في العالم أعجبت بعنجهية ترامب أكثر من اليمين الإسرائيلي، وهي الآن ضحيته المباشرة.
“إذا قالت لنا السعودية: التطبيع مقابل دولة فلسطينية، فشكراً لا نريد. واصلوا ركوب الجمال على رمال الصحراء في السعودية”، هكذا صرّح بتسلئيل سموتريتش، مصوراً السعودية كأنها غير ذات صلة بمستقبل الشرق الأوسط، عشيرة بدوية متخلفة وجاهلة.
لكن حين نستمع إلى ترامب، وفانس، وكوشنر، وويتكوف، وروبيو، نفهم أن اللحظة اقتربت حين سيصبح مروان البرغوثي هو الرجل المرتبط بمستقبل الشرق الأوسط، فيما يصبح سموتريتش خارج المعادلة. تلك ستكون لحظة تغيّر وجه البلاد والمنطقة والعالم نحو الأفضل.
هآرتس






