هاريس والمسألة الفلسطينية

عمر حلمي الغول

من المؤكد ان لكل رئيس في الولايات المتحدة شخصيته والكاريزما الخاصة به، وحتى بمعايير نسبيه المساحة، التي تميزه عن غيره من أقرانه الرؤساء السابقين عليه، أو اللاحقين له. غير أن الرؤساء كافة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا يخرجون عن الرؤية الاستراتيجية للدولة العميقة ومن خلفها الحكومة العالمية، التي يقودها اباطرة رأس المال المالي في العالم، وفي حال تمادى رئيس من الرؤساء في الابتعاد عن السقف المسموح به، تتولى الدولة العميقة إخراجه من دائرة الحكم أما اغتيالا. كما الرئيس جون كينيدي، أو بفضيحة ما، أو بعدم تمكنه من الفوز بولاية ثانية، أو بأية وسيلة أخرى. وبالتالي المساحة التكتيكية المتاحة لأي من الرؤساء في إدارة المنظومة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية والثقافية والبيئية تبقى ضمن دائرة السيطرة، ولا تتجاوز الخطوط العريضة والاساسية للدولة العميقة.
وكمالا هاريس مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي، لا تبتعد كثيرا عمن سبقوها من الرؤساء الاميركيين، وتميزها النسبي تجاه المسألة الفلسطينية، وهي نائبة رئيس، وبعد ترشيحها من قبل الرئيس بايدن، في إثر انسحابه من السباق الرئاسي في الثلث الأخير من تموز / يوليو الماضي، ورفضها المشاركة في جلسة المجلسين الشيوخ والكونغرس اثناء القاء بنيامين نتنياهو خطابه امامهما، وفي اعقاب لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي الشهر الماضي، وما حمله خطابها بعد موافقة مؤتمر الحزب الديمقراطي يوم الخميس 22 آب/ أغسطس الحالي من نفحات بمعايير نسبية ايجابية، حيث دعت الشعب الفلسطيني الى أن يكون قادرا على “إعمال حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير.” وأضافت إن ما حدث في غزة خلال الشهور العشرة الماضية مدمر، لقد فقدت الكثير من الأرواح البريئة” وتابعت “الأشخاص يائسون وجياع يفرون مراراً وتكراراً بحثا عن الأمان، حجم المعاناة يفطر القلب.” واردفت قائلة “الرئيس بايدن وأنا نعمل على انهاء هذه الحرب بحيث تصبح إسرائيل آمنة”. لنلاحظ الانكفاء المباشر في خطابها “لتصبح إسرائيل آمنة،” وليس الشعب الفلسطيني الذي يقع تحت ويلات الإبادة الجماعية بالأسلحة الأميركية، ويمنع رئيسها وأدارتها وقف دورة حرب الأرض المحروقة، وتابعت “ويتم إطلاق سراح الرهائن، وتنتهي المعاناة في غزة،” ثم عرجت على تمكن “الشعب الفلسطيني من تحقيق حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير.” وسبق ذلك، تأكيدها على أنها “ستحافظ على التحالف الأميركي مع إسرائيل، “وتضمن أن لدى إسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها.” وادانت الهجوم الذي نفذته حماس في 7 تشرين اول / أكتوبر 2023.
ومن قراءة ما حمله خطابها، نرى انها جانبت الصواب، عندما أعادت التأكيد على الأسطوانة الأميركية المشروخ، التي تعطي إسرائيل “حق الدفاع عن نفسها، وتصبح إسرائيل آمنة، وتملك القوة الكفيلة بتفوقها على عموم دول الإقليم”، تلك الدولة النازية القائمة بالاستعمار للأرض الفلسطينية، وتنتهك حقوق ومصالح أبناء الشعب الفلسطيني على مدار العقود الطويلة الماضية من سنوات الاحتلال، وتنتهك بشكل معلن ومفضوح وامام العالم كله بمنهجية ووفق خطط معدة ومدروسة سياسة الاستيطان الاستعماري والتهويد والمصادرة للأرض الفلسطينية، وتعمل على تشريع البؤر الاستيطانية، وترتكب ابشع اشكال العدوان، الإبادة الجماعية على أبناء الشعب على مدار 324 يوما في قطاع غزة وعموم الضفة والقدس العاصمة بأساليب واشكال مختلفة، وتقتحم وتجتاح يوميا المحافظات والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة والقدس العاصمة الفلسطينية، وتمارس البلطجة والقرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية، ولا تلتزم بالقرارات الدولية، ولا بالتدابير والاحكام والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية .. الخ لها الحق “بالدفاع عن نفسها”، ولا يوجد مثل هذا الحق للشعب الفلسطيني، بل مطلوب منه، بل دعت الشعب لان يكون قادرا على “إعمال حقه في الكرامة والامن والحرية وتقرير المصير” كيف؟ وعلى أي أساس يمكنه فعل ذلك، والولايات المتحدة صاحب النفوذ الأول في العالم، تقف ضد حقوقه الوطنية، وتتهمة بالإرهاب، ولا تسمح بوقف الإبادة الجماعية..
إذاً مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي بقدر ما أعطت فتات المواقف الشكلية والايجابية للشعب الفلسطيني، بيد ان بوصلتها الأساسية بقيت دعم وحماية وتعزيز قوة ومكانة إسرائيل النازية على حساب القضية والشعب والوطن الفلسطيني. مع انها تعلم علم اليقين أن العقبة الأساسية في وقف الإبادة الجماعية تتمثل في مواقف وسياسة الإدارة الأميركية، التي تكيل بمكيالين، وتستبيح المنابر الأممية وخاصة مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلى محاكم دولية: محكمة العدل والجنائية الدوليتين لصالح إسرائيل، وتغطية جرائم حربها وتغولها على البشرية جمعاء، وبالتالي لم تحد قيد انملة عن مواقف الدولة العميقة. لان مصالحها الشخصية، ومصلحة الحزب والمنظومة الحاكمة بمستوياتها التشريعية والتنفيذية والقضائية تحتم عليها الانحياز الكامل لصالح الأداة الإسرائيلية الوظيفية.

شاهد أيضاً