هرتسي هليفي يدخل حقل ألغام سياسيّة

إيمانويل فابيان

تولى هرتسي هليفي، أول من أمس، منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ليدخل ساحة معركة سياسية، حيث يستهدف أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية – الدينية الجديدة التسلسل القيادي للجيش.
بموجب الاتفاقات الائتلافية الموقعة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقادة حزبَي اليمين المتطرف “عوتسما يهوديت” و”الصهيونية الدينية”، سيتم سحب السيطرة على تعيين العديد من الجنرالات والسلطة على بعض الوحدات العسكرية من الجيش الإسرائيلي.
سيتعين على هليفي، الذي يحل محل أفيف كوخافي، مواجهة هذه التحديات الجديدة بالإضافة إلى عدد لا يحصى من التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، وأبرزها تصاعد العنف في الضفة الغربية.
بدأ رئيس الأركان الجديد خدمته العسكرية في العام 1985، وانضم إلى لواء المظليين. بعد الانتهاء من دورة تدريب الضباط وقيادة سرب، انتقل إلى وحدة النخبة الاستطلاعية “سايرت متكال” وأصبح قائدها في العام 2001.
ترأس هليفي (54 عاماً) قيادة المنطقة الجنوبية خلال عدة جولات من القتال بين إسرائيل والفصائل المسلحة في قطاع غزة في 2018 و2019، وكذلك شعبة المخابرات العسكرية. شغل مؤخراً منصب نائب رئيس الأركان، وهو منصب محوري على طريق الوصول إلى القمة.
يحمل هليفي، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء بالإضافة إلى كونه عداء هاوياً، درجة البكالوريوس في الفلسفة وإدارة الأعمال من الجامعة العبرية، ودرجة الماجستير في إدارة الموارد الوطنية من جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة.
وهو يقيم في مستوطنة “كفار هأورانيم” الواقعة على حدود الضفة الغربية بالقرب من “موديعين”. على الرغم من أن البلدة تخضع لسلطة المجلس الإقليمي بنيامين، إلا أنها ذات ميول يسارية نسبياً، حيث ذهب ما يقرب من 80% من الأصوات في الانتخابات العامة التي أجريت في تشرين الثاني إلى أحزاب المعارضة.
سُمي هليفي، المولود في القدس، على اسم عمه، وهو جندي مظلي أيضاً، الذي قُتل في 7 حزيران 1967، عندما استولت القوات الإسرائيلية على الحائط الغربي خلال حرب “الأيام الستة”.
والد هليفي من نسل الحاخام أفراهام إسحق كوك. نشأ في بيت متدين ودرس في مدارس دينية في طفولته. توقف عن ارتداء الكيباه (القلنسوة اليهودية) في مرحلة ما خلال خدمته العسكرية، لكنه قال ذات مرة: إنه لا يزال ملتزماً دينياً.
اشتهر هليفي في وسائل الإعلام بأنه “الجنرال الفيلسوف”. في مقابلة أجرتها معه في العام 2013 صحيفة “نيويورك تايمز”، قال هليفي: إنه وجد أن دراساته الفلسفية كانت أكثر فائدة بكثير في الجيش من إدارة الأعمال، مضيفاً: “كان الناس يقولون لي: إن إدارة الأعمال هي للحياة العملية والفلسفة للروح. على مر السنين، وجدت أن الأمر عكس ذلك تماماً: لقد استخدمت الفلسفة بشكل عملي أكثر”.
ذكرت المقابلة التي أجريت قبل نحو عشر سنوات أن هليفي “يُعتبر مرشحاً بارزاً لقيادة الجيش يوماً ما رئيساً للأركان”.
خلال عملية التعيين الأخيرة، نافس هليفي إيال زمير على المنصب الأعلى في الجيش الإسرائيلي.
تم ترشيح زمير، الذي شغل في السابق منصب السكرتير العسكري لنتنياهو، مرة من قبل لهذا المنصب. لكن في المرتين تم اختيار المرشح الأوفر حظاً لتولي المنصب بدلاً منه، وهذه المرة تم اختيار هليفي من قبل وزير الدفاع السابق، بيني غانتس.
زمير الآن بصدد تولي منصب مدير عام وزارة الدفاع. هذا يعني أنه سيواصل التواصل مع هليفي في إطار منصبه الجديد في وزارة مسؤولة عن الجيش.
حذر رئيس الأركان المنتهية ولايته كوخافي، الجمعة الماضي، من خطة الحكومة لإعادة هيكلة السلطة العسكرية في الضفة الغربية، كجزء من مكتب جديد داخل وزارة الدفاع مُنح لوزير المالية ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش.
تسمح الاتفاقات الائتلافية لسموتريتش بتعيين الجنرالات الذين يقودون وحدة المنسق المدني والعسكري لأنشطة الحكومة في “المناطق” (كوغات) ومكتبها الذي يشرف على العديد من قضايا المستوطنات، والإدارة المدنية، رهناً بموافقة نتنياهو، لكن من غير الواضح ما إذا كان الجيش سيوافق على مثل هذا التغيير.
حالياً، يتم تعيين اللواء المسؤول عن مكتب تنسيق أعمال الحكومة في “المناطق” من قبل وزير الدفاع بناء على توصية من رئيس الأركان الإسرائيلي، ويتم تعيين البريغادير جنرال المشرف على الإدارة المدنية من قبل رئيس الأركان.
كما أُعطي سموتريتش “المسؤولية المدنية” على “كوغات”، ما يعني أنه مسؤول عن إصدار تصاريح البناء في الضفة الغربية، بينما يتولى وزير الدفاع، يوآف غالانت، كل شيء آخر. لم يتخذ سموتريتش أي قرارات في منصبه الوزاري الثانوي بعد، وقال المستشار القانوني للكنيست، الشهر الماضي: إن غالانت سيكون قادراً على نقضه.
التقى هليفي بسموتريتش، الأسبوع الماضي، قبل المراسم الرسمية لتسليم واستلام المنصب.
حذر كوخافي من الخطط التي تحدثت عنها تقارير لانتزاع السيطرة على شرطة حرس الحدود من شرطة إسرائيل ووضعها تحت السيطرة المباشرة لبن غفير. تعمل شرطة حرس الحدود أيضاً في الضفة الغربية، ضمن نطاق صلاحيات الجيش الإسرائيلي.
وقال كوخافي في مقابلة أجرتها معه القناة “12”: “لا يمكننا أن نسمح بأن يكون هناك جيشان، بإجراءات مختلفة أو بمفاهيم مختلفة”.
وأضاف كوخافي: إنه في حالة حدوث مثل هذا الموقف، ولمنع حالة يكون فيها تسلسلان قياديان منفصلين، فقد يضطر الجيش إلى استبدال قوات حرس الحدود بـ “جنود من الجيش النظامي، وبالتالي سيكون لديهم وقت أقل للتدريب، أو مع جنود الاحتياط، الذين يتحملون بالفعل عبئاً ثقيلاً بما يكفي”.
ودعا بن غفير أيضاً إلى تخفيف قواعد فتح النار في الجيش الإسرائيلي، وتمرير تشريع يمنح الشرطة والجنود الحصانة من الملاحقة الجنائية لأي إجراء قد يتخذونه أثناء أداء واجب عملياتي.
وقال كوخافي في آخر مقابلة أجريت معه: “من يعتقد أن قواعد إطلاق نار عدوانية هي الوصفة للأمن فهو مخطئ. سينتج عن ذلك العكس تماماً”.
أيضاً بموجب الاتفاقات الائتلافية بين حزب “الليكود” بزعامة نتنياهو وحزب “الصهيونية الدينية”، تعتزم الحكومة الجديدة الدفع بمشروع قانون يهدف إلى نقل السيطرة على مكتب الحاخام الرئيس للجيش من الجيش إلى الحاخامية الرئيسة لإسرائيل.
سيمنح مشروع القانون الحاخامية الكبرى السيطرة على عملية تعيين الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي. حالياً، يتم تعيين الحاخام الرئيس للجيش الإسرائيلي، وهو برتبة بريغادير جنرال، من قبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
ودعا عضو آخر في ائتلاف نتنياهو، وهو آفي معوز رئيس حزب “نوعم” اليميني المتطرف، إلى إغلاق وحدة عسكرية مسؤولة عن تعزيز تكافؤ الفرص للنساء في الجيش.
وحدة “يوهلم” – وهي اختصار بالعبرية لوحدة مستشارة رئيس الأركان للشؤون الجنسانية – مكلفة أيضاً بتنفيذ سياسات لمنع التحرش الجنسي في الجيش.
مع هليفي، سيحصل الجيش الإسرائيلي أيضاً على ناطق رسمي جديد. تعرض المتحدث العسكري المنتهية ولايته، البريغادير جنرال ران كوخاف، لانتقادات شديدة من قبل مسؤولين في اليمين الذين وصفوه ووحدته بأنهم من اليسار خلال فترة ولايته.
تم ترشيح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجديد، الأميرال دانييل هاغاري، وهو ضابط كبير في سلاح البحرية، من قبل هليفي لهذا المنصب، ووافق غالانت على تعيينه بعد وقت قصير. خدم كل من هاغاري وغالانت قائدين لوحدة النخبة “شايطيت 13” التابعة لسلاح البحرية، وهو ما يمكن أن يبشر بعلاقات جيدة بينهما.
تأتي التحديات السياسية للجيش الإسرائيلي مع تصاعد العنف في الضفة الغربية، خلال عملية إسرائيلية للتعامل مع سلسلة من الهجمات الفلسطينية، التي أسفرت عن مقتل 31 شخصاً في العام 2022.
أسفرت عملية الجيش عن اعتقال أكثر من 2500 شخص في مداهمات ليلية شبه يومية. كما خلفت أكثر من 170 قتيلاً فلسطينياً في العام 2022، و13 آخرين منذ مطلع العام، العديد منهم خلال تنفيذهم لهجمات أو في مواجهات مع القوات الإسرائيلية، لكن بعضهم كانوا مدنيين غير متورطين في القتال.
ترتبط العديد من التحديات السياسية الجديدة بشكل مباشر بالطريقة التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، منذ تولي سموتريتش السلطة على مكتب تنسيق أعمال الحكومة، وصولاً إلى خطط بن غفير للسيطرة على شرطة حرس الحدود.
في مقابلته مع “نيويورك تايمز” في العام 2013، استشهد هليفي بأفلاطون وسقراط وموسى بن ميمون باعتبارهم فلاسفة “تحدثوا عن كيفية تحقيق التوازن، وكيفية تحديد أولويات المبادئ بطريقة صحيحة”، مضيفاً: إن “هذا شيء أجده مفيداً للغاية”.
سيحتاج هليفي إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها، بينما يتنقل هو والجيش الإسرائيلي عبر حقل الألغام السياسي القادم.

شاهد أيضاً