هل باتت عائلات الاسرى أعداء لنتنياهو

السياسي – تناولت “شبيغل” الألمانية أزمة الاسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه لم يعد للأمل مكان في قلوب عائلاتهم، فقد تلاشت ثقتهم بوعود الحكومة الإسرائيلية، التي طالما تعهدت بإعادتهم سالمين. لكن عوضا عن الخضوع لليأس، اختاروا أن يصبحوا قوة ضاغطة لا يمكن تجاهلها، مطالبين بإعادة أبنائهم بأي ثمن.

بحسب شبيغل، أدركت العائلات أن الاحتجاجات التقليدية لم تعد كافية. لذا، قررت اتخاذ خطوة جريئة، فكشفت عن فيديو لم يُشاهد من قبل، يصور مجموعة من الاسيرات، جالسات مكبلات الأيدي ووجوههن مغطاة بالدماء. هؤلاء الفتيات، اللواتي تم اقتيادهن من نقطة مراقبة على الحدود مع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يواجهن مصيرًا مجهولا. كان الفيديو صادما، وأعاد توجيه أنظار العالم إلى مصير هؤلاء المنسيين.

منذ الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، عاشت إسرائيل في حالة من الصدمة المستمرة. ورغم مرور عشرة أشهر تقريبًا، لم يتم الإفراج سوى عن 105 اسير في صفقات تبادل، بينما تم تحرير ثلاثة آخرين بواسطة الجيش. عاد البعض إلى ديارهم جثثًا هامدة، ولا يزال أكثر من مئة لا يزالون في غزة.

في البداية، كانت معظم إسرائيل موحدة خلف الحكومة، تؤيد كل خطوة تتخذها لتحقيق النصر. لكن مع مرور الوقت، بدأ الشك يتسلل إلى قلوب العائلات. وبدأت تلك الوحدة تتصدع، خاصة بعدما أدركت العائلات أن الضغط العسكري الذي وعدت به الحكومة قد لا يعيد أحباءهم، بل قد يأتي بهم في نعوش. كان هذا الإدراك هو الذي حول أسر المحتجزين، التي كانت داعمة قوية للحكومة، إلى واحدة من أشد معارضيها.

تُعتبر معظم العائلات من سكان المناطق القريبة من غزة، وغالبًا ما ينتمون إلى التيار اليساري أو ناشطين من أجل السلام. ومع ذلك، كان كثير منهم داعمين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بحسب المجلة الألمانية. وبمرور الوقت، أدركت أن الحرب التي يقودها قد تجلب لها ابنها ولكن ليس حيًا، بل ربما في تابوت.

-نتنياهو يلعب بالوقت

حتى الآن، نجح نتنياهو في تفادي أي تغييرات كبيرة في سياسته، بالرغم من الضغوط المتزايدة. يعتمد رئيس الوزراء على استراتيجية “اللعب على الوقت”، ويبدو أنه يراهن على تحسن الظروف لصالحه. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: إلى متى يستطيع نتنياهو الصمود أمام هذا التحدي المتصاعد؟ وهل ستتمكن العائلات من فرض واقع جديد يجبر الحكومة على إعادة النظر في استراتيجيتها؟ الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد، تقول شبيغل.

في فبراير/ شباط، جاء التغيير الكبير في موقفها. كانت الحكومة قد دعت عائلات الاسرى إلى اجتماع، حيث استمعوا إلى وعود بأن الحرب ستعيد أبناءهم. لكنها لم تسمع كيف سيحدث ذلك. عندما طلبت زانغاوكر من نتنياهو تفاصيل، اكتفى بالقول: “يمكنكِ أن تكوني واثقة أننا نفعل كل شيء”. عندها أدركت أنها لم تعد تصدقه، وأن الحرب لن تعيد لها ابنها، بل ما سيعيده هو صفقة تبادل جديدة فقط.

منذ ذلك الحين، أصبحت الأسر جزءًا من الحركة الاحتجاجية، رغم أنها لا تتفق تمامًا مع أفكار باقي المحتجين. لكنها لم تعد تستطيع الصمت. تقف في وجه الشرطة، تشارك في كل احتجاج، وحتى عندما يتم استخدام القوة ضدها، تعود في اليوم التالي مصممة أكثر من السابق.

ومع اقتراب الذكرى السنوية لهجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، الذي أطلق العنان لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد الحركة في غزة، تتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتحقيق وعودها. حينها، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هدفين رئيسيين: تدمير حماس وإعادة جميع الأسرى. ولكن بعد مضي أحد عشر شهرًا، لا تزال حماس تحتجز أكثر من مئة، ويُعتقد أن أكثر من أربعين منهم قد قُتلوا.

-الاحتجاجات تجتاح تل أبيب

تشهد إسرائيل الآن انقسامًا واضحًا: بين من يرون أن أولوية الحكومة يجب أن تكون إعادة الأسرى، ومن يريدون القضاء على حماس قبل أي شيء آخر. ويبدو أن الحكومة تميل للجانب الثاني. فقد فشلت مرارًا المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وفي حين يلقي نتنياهو باللوم على حماس وحدها، فإن العديد من الإسرائيليين فقدوا الثقة في قدرته على حل الأزمة. فنتنياهو فرض شروطًا جديدة على أي اتفاق محتمل، مما جعل التوصل إلى تسوية أكثر تعقيدًا. أما شركاؤه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف، فقد هددوا بإنهاء الحكومة إذا تم التوصل إلى اتفاق مع حماس يؤدي إلى إنهاء الحرب.

يوم الأحد، خرج عشرات الآلاف، وربما حتى مئات الآلاف من المتظاهرين، إلى شوارع تل أبيب، في أكبر احتجاجات ضد الحكومة منذ بدء الحرب. وأعلنت نقابة العمال الإسرائيلية “الهستدروت” عن إضراب عام يوم الاثنين، مما أدى إلى توقف حركة القطارات والطائرات وإغلاق المحلات التجارية. حاول المتظاهرون في تل أبيب إغلاق الطريق السريع “أيالون”، واعتقلت الشرطة عددًا من الأشخاص واستخدمت القوة في بعض الحالات لتفريق الاحتجاجات. كما شهدت القدس وحيفا احتجاجات واسعة.

هل سيغير الإضراب سياسة الحكومة؟

ورغم قوة الإضراب، الذي انتهى بقرار من المحكمة منتصف النهار، يبقى السؤال ما إذا كان ذلك سيؤثر على سياسة الحكومة. من جانبه، قال وزير الشرطة اليميني المتطرف ايتمار بن غفير إنه لن يتردد في استخدام نفوذه في الحكومة لمنع أي صفقة تبادل “متهورة” للأسرى.

لم تقتصر الضغوط على الداخل الإسرائيلي فقط، بل امتدت لتشمل الولايات المتحدة، الشريك الأكبر لإسرائيل. فقد صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الاثنين أن صفقة تبادل الأسرى باتت وشيكة، لكنه أشار إلى أن نتنياهو لا يبذل الجهود الكافية لإتمامها. بايدن ونائبته كمالا هاريس عقدا اجتماعًا لمناقشة كيفية دفع الأمور نحو التوصل إلى اتفاق، ومن المتوقع أن يتم تقديم اقتراح جديد بحلول نهاية الأسبوع.

رغم كل الضغوط المتزايدة، فقد تمكن نتنياهو حتى الآن من تفادي أي تغيير في سياسته. ورغم انخفاض شعبيته في بعض الفترات، فإن تأييده بين الإسرائيليين عاد للارتفاع مؤخرا. يبدو أن نتنياهو يعتمد على استراتيجية “اللعب على الوقت” في انتظار تحسن الظروف لصالحه.

شاهد أيضاً