السياسي -وكالات
أشار الخبير في الاقتصاد السياسي جون رابلي إلى ظاهرة غير معتادة في الأسواق العالمية، حيث يتزامن ضعف الدولار مع الارتفاع المستمر في أسعار الذهب.
وبحسب النظرية الاقتصادية التقليدية، كان يفترض أن تؤدي التعريفات الجمركية الأمريكية إلى تعزيز الدولار، إذ يقل الطلب على العملات الأجنبية مع تحول المستهلكين نحو المنتجات المحلية. لكن منذ تولي دونالد ترامب منصبه الشهر الماضي، بدا أن هذه السياسات تؤدي إلى تأثير معاكس، مما يضعف الدولار بدلاً من تقويته.
وفي مقاله على موقع “أنهيرد”، أوضح رابلي أن هذا التراجع في حد ذاته قد لا يكون مدعاة للقلق، إذ يمكن أن يساعد في تقليل العجز التجاري وتحفيز الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير. لكن القلق الحقيقي يكمن في الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع، إذ قد يكون مؤشراً على اضطرابات أعمق في النظام المالي العالمي.
تحول دينامية الأسواق
يتداخل ضعف الدولار مع كل من الارتفاع المستمر في سعر الذهب الذي يسجل الآن أعلى مستوياته على الإطلاق، والدوران خارج الأصول الأمريكية، حيث تتحول دينامية أسواق الأسهم العالمية من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا وأماكن أخرى.
ويدفع ارتفاع أسعار الذهب كلاً من عمليات الشراء التي يقوم بها البنك المركزي وقطاع التجزئة، في حين يبدو أن عملية الخروج من السوق الأمريكية تتم بفعل إعادة المستثمرين الأجانب الأموال إلى أوطانهم.
ولكن إذا تم التعامل مع كل هذا على مستوى المجموع، فيبدو أنه يشير إلى أن العالم بدأ التحوط ضد احتمال تحول الولايات المتحدة إلى الداخل بشكل دائم.
قيمة الدولار تستحق المراقبة
هذه تحولات دقيقة قد يكشف الزمن أنها دورية بحتة، فإذا تراجع دونالد ترامب، على سبيل المثال، عن فرض تعريفات جمركية فقد يعود المستثمرون إلى الولايات المتحدة.
وبالفعل، فإن الضربة المتوقعة من التعريفات الجمركية على أرباح الشركات والاقتصاد ككل لم تنتج انخفاضات كبيرة في أسعار الأسهم الأمريكية، وهو ما يشير إلى أن المستثمرين استنتجوا بالفعل أن ترامب لن ينفذ تهديداته.
ومع ذلك، تستحق قيمة الدولار المراقبة، لأنه من الممكن أن يكون تغيير هيكلي قد بدأ. بالرغم من أن حصة الولايات المتحدة في التجارة العالمية أقل من حصتها في الناتج العالمي، تواصل البلاد تشكيل أهمية مركزية للاقتصاد العالمي لأنها أكبر مستورد فيه، وهي تستطيع أن تتحمل عجزاً تجارياً مزمناً لأن الجميع على استعداد لقبول سندات الدين بناء على الفهم الضمني بأن الولايات المتحدة ستسدد ديونها ذات يوم. وبما أن لا أحد يطالب بالديون، يستطيع الاقتصاد العالمي أن يواصل العمل بسلاسة بالائتمان الممنوح للولايات المتحدة.
ببساطة، يعتمد استقرار الاقتصاد العالمي على فهم مشترك: يقرض العالم الولايات المتحدة المال لشراء سلعه. ثم يتم استثمار هذا المال المقترض في الاقتصاد الأمريكي، في الأسهم والسندات والعقارات، مما يدفع قيم الأصول إلى الارتفاع وأسعار الفائدة إلى الانخفاض، وهو أمر يمنح الأمريكيين الوسائل المالية اللازمة للاستمرار في الشراء.
تهديد ترامب
في تصميمه على خفض العجز التجاري، يهدد ترامب بقلب هذا الترتيب، فإذا انخفضت احتياطاتهم الأمريكية فلن يكون لدى الأجانب ما يستثمرونه في الولايات المتحدة.
وقد لا يؤدي هذا إلى إبطاء الاقتصاد الأمريكي وحسب، بل قد يقلص نمو المعروض العالمي من الدولار. إذا تحولت أمريكا إلى الداخل بشكل دائم، فقد يصبح وضعها كحارس للعملة الاحتياطية العالمية موضع شك ذات يوم.
وإذا كان هذا هو الاحتمال الذي يستعد له مديرو صناديق الاستثمار والبنوك المركزية فإن ما يحدث للدولار الآن قد يكون بمثابة تحذير مبكر لما قد يأتي لاحقاً.
ويختم الكاتب “في المستقبل المنظور، وفي غياب أي منافس جاد، سيظل الدولار الأمريكي عملة الاحتياطي العالمي. لكن ربما يكون الأمر ببساطة أن العالم في المراحل الأولى من تغيير تاريخي في الاقتصاد الدولي، حيث يبدأ المستثمرون بالتفكير في تصورات مستقبلية مختلفة بشكل جذري”.