مستشار محافظ القدس
أثار إصدار سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملة نقدية تذكارية جديدة من فئة 20 شيكلًا، موجة واسعة من الغضب والقلق في الأوساط الفلسطينية والإسلامية، بعد أن حملت العملة رموزًا دينية يُعتقد أنها تشير إلى نوايا إسرائيلية مبيتة تهدف إلى تكريس روايتها حول “الهيكل المزعوم” والسعي لطمس هوية المسجد الأقصى المبارك.
العملة الذهبية التي نُقش على أحد وجهيها اسم مدينة القدس (Jerusalem) بثلاث لغات، تتضمن تصميمًا يُظهر مجسمًا يشبه إلى حد كبير الجزء العلوي من “الهيكل المزعوم” فوق ما يبدو أنه احد اسوار مدينة القدس والمسجد الأقصى، في إشارة رمزية خطيرة إلى نية استبدال أحد أهم المقدسات الاسلامية في العالم، وأحد معالم الحرم القدسي الشريف ببناء يهودي مقدس وفق الرواية التوراتية.
ونؤكد أن هذا التصميم لم يكن اعتباطيًا، بل يأتي في إطار سياسة تهويد ممنهجة تتبعها سلطات الاحتلال في القدس، هدفها إعادة تشكيل الوعي البصري والرمزي للمدينة بما يتماشى مع المشروع الاستيطاني والديني اليهودي الهادف إلى “أسرلة” المدينة المقدسة، وتهويدها.
إن وجود رموز دينية واضحة على عملة رسمية إسرائيلية يعكس تحولًا خطيرًا في خطاب الاحتلال، إذ لم تعد مجرد محاولات فردية من جماعات “الهيكل”، بل أصبح تبني هذه الرموز يتم من مؤسسات الدولة نفسها، بما فيها البنك المركزي الإسرائيلي، في خطوة يمكن اعتبارها إعلانًا رسميًا عن نوايا مستقبلية تجاه المسجد الأقصى.
كما يظهر في أسفل التصميم ما يبدو أنه فتحات أو شبابيك تشبه مداخل الأنفاق التي تقع أسفل المسجد الأقصى، وهي المنطقة التي تشهد منذ سنوات حفريات إسرائيلية مستمرة تحت إشراف ما يسمى بـ“سلطة الآثار الإسرائيلية”، في دليل واضح على الربط بين هذه الحفريات وبين محاولات التمهيد لبناء الهيكل على أنقاض المسجد المبارك.
نحذر في هذا الشأن، من أن هذه الرموز التهويدية ليست مجرد قضية رمزية أو ثقافية، بل تحمل أبعادًا دينية وأمنية وسياسية عميقة، فالمساس بالمسجد الأقصى – أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين – من شأنه أن يفجر مواجهة دينية مفتوحة لا تقتصر على الشعب الفلسطيني، بل تمتد إلى العالمين العربي والإسلامي.
ونرى أن هذه الخطوة قد تمثل تمهيدًا فعليًا لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في الحرم القدسي الشريف، وهو ما يهدد بانفجار صراع ديني شامل في المنطقة، خصوصًا في ظل ازدياد اقتحامات المستوطنين للأقصى بحماية قوات الاحتلال، والتصريحات الإسرائيلية المتكررة حول “حق اليهود في الصلاة داخل الحرم”.
نطالب القيادة الفلسطينية ومؤسساتنا الحكومية الرسمية والسيادية بضرورة التحرك العاجل على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية، لوقف ما نعتبره “مخططًا إسرائيليًا معلنًا” يستهدف تغيير هوية المدينة وطمس معالمها الإسلامية والمسيحية.
كما ندعو العالمين العربي والإسلامي إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية والدينية تجاه القدس، مؤكدين أن صمت المجتمع الدولي على مثل هذه الخطوات يمثل ضوءًا أخضر لاستمرار الاحتلال في تنفيذ مخططاته التهويدية.
أخيرا، إن إصدار عملة نقدية تحمل رموزًا تتعلق بالهيكل المزعوم ليس مجرد خطوة اقتصادية أو فنية، بل رسالة سياسية وعقائدية واضحة بأن سلطات الاحتلال ماضية في مشروعها لفرض سيادتها على القدس بكل الوسائل، بما في ذلك الرموز النقدية والثقافية.
ويبقى المسجد الأقصى المبارك – رغم كل محاولات التهويد – رمزًا لعقيدة الأمة الإسلامية وقضيتها المركزية الأولى، والدفاع عنه واجب ديني وإنساني وأخلاقي لا يمكن التراجع عنه.