هل تتنازل إيران أمام ترمب مثل المكسيك؟

هدى رؤوف

زاد الغضب داخل إيران من كون إرسال كثير من الإشارات من المسؤولين الإيرانيين المحسوبين على التيار الإصلاحي ودعاة الانفتاح على الغرب أدى في النهاية إلى فرض ترمب مذكرة فيها أوامر جديدة للضغط على الاقتصاد الإيراني، وهو ما يعد استمراراً لسياسته السابقة الممثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط.

أصدر ترمب تعليمات في شأن ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران تجاه الكيانات المرتبطة بالعقوبات، وجاء في نص المذكرة أن الرئيس الأميركي سيواصل الضغط على طهران حتى إشعار آخر، وتستهدف المذكرة سد جميع الطرق أمام حصول إيران على سلاح نووي كما تتصدى لنفوذها في الخارج.

لقد كان توقيع ترمب على المذكرة أخيراً والتي تتضمن تفصيلاً حرمان إيران من الوصول إلى الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات وتحييد شبكاتها الإرهابية، وأنه يجب أن يتوقف تطوير إيران للصواريخ الهجومية وغيرها من قدرات الأسلحة غير المتماثلة والتقليدية، فضلاً عن توجيهات لوزير الخزانة الأميركي بتطبيق أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على الحكومة الإيرانية، بما في ذلك فرض عقوبات أو تنفيذ تدابير عقابية ضد الأفراد الذين ينتهكون العقوبات القائمة، وأن يصدر وزير الخزانة توجيهات إلى جميع قطاعات الأعمال ذات الصلة بما في ذلك شركات الشحن والتأمين ومشغلي الموانئ في شأن الأخطار التي يواجهها أي شخص ينتهك عن علم العقوبات الأميركية ضد إيران أو وكلائها الإرهابيين، إضافة إلى قيام وزير الخارجية بتعديل أو إلغاء الإعفاءات من العقوبات الحالية والعمل مع وزير الخزانة لتنفيذ حملة لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وعمل الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مع الحلفاء الرئيسين لاستكمال إعادة فرض العقوبات والقيود الدولية على إيران.

وكذلك التوجيه باتخاذ النائب العام كل الإجراءات القانونية الممكنة للتحقيق في وتعطيل وملاحقة الشبكات المالية واللوجستية أو العملاء داخل الولايات المتحدة التي تدعمها إيران أو الجماعات الإرهابية بالوكالة عنها، وأن يقوم المدعي العام بمحاكمة قادة وأعضاء الجماعات الإرهابية الممولة من إيران الذين قاموا بأسر أو جرح أو قتل مواطنين أميركيين، ويسعى إلى اعتقالهم وتسليمهم إلى الولايات المتحدة.

أما في ما يخص الملف النووي فقد نصت المذكرة على إزالته من المعادلة وأن ترمب لن يسمح لإيران بتحقيق القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، ولن يتسامح مع دعم إيران المستمر للإرهاب وخصوصاً ضد مصالح الولايات المتحدة.

في عام 2020 أعلن الرئيس ترمب أنه مادام رئيساً الولايات المتحدة فلن يسمح لإيران أبداً بامتلاك سلاح نووي، وفي داخل إيران زاد الغضب من كون إرسال كثير من الإشارات من المسؤولين الإيرانيين المحسوبين على التيار الإصلاحي ودعاة الانفتاح على الغرب أدى في النهاية إلى فرض ترمب مذكرة فيها أوامر جديدة للضغط على الاقتصاد الإيراني وهو ما يعد استمراراً لسياسته السابقة المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط.

تسريبات استخبارية: إيران تسرّع إنتاج سلاح نووي “بدائي”
تلك المذكرة أوضحت الأجواء الغامضة المحيطة بالسياسة التي سينتهجها تجاه إيران، واعتبر تيار داخل إيران أنه من الخطورة استمرار إرسال إشارات إيجابية للغرب في حين لم تتلق طهران أي رد إيجابي، ولا سيما أن تكرار المسار الخاطئ للاتفاق النووي صور إيران وكأنها ضعيفة، إذ إن تلك النتيجة جرى الوصول إليها بفعل المسؤولين الإيرانيين من دعاة الانفتاح والتغريب، والذين لم يكن لهم سجل حافل في السياسة الخارجية بل فقط مزيد من المفاوضات والتنازلات للغرب، والمقصود هنا هو الهجوم على جواد ظريف.

ويعتبر التيار الغاضب الآن داخل إيران أن ذلك المسار غيّر حسابات العدو في ما يتصل بقوة طهران، وأن المرشد علي خامنئي سبق وحذر من تلك الإشارات التي تشجع أعداءهم، والسائد داخل إيران الآن أن إرسال إشارات وتصريحات من جواد ظريف، ولا سيما خلال “منتدى دافوس”، أوحت إلى الجانب الآخر بضعف إيران وأنهم بذلك يقوضون ويدمرون مصالح طهران الوطنية.

وتعتبر إيران أن توقيع ترمب على تلك المذكرة كان الهدف منه الحصول على تنازلات من طهران تمثل ميزة نفسية للرئيس الأميركي، بمعنى أنه مثلما بدأ الضغط على المكسيك بإصدار أمر لكنها تراجعت بعد ذلك بقليل فقام ترمب بتعليق الأمر مدة شهر، ففي حال إيران يمكن أن يبدأ ترمب إجراءاته بمذكرة الضغط الأقصى لا بأمر له التزام تنفيذي، وينتظر رد طهران للحصول على اليد العليا عليها في أية مفاوضات.

التيار الغاضب داخل إيران الآن يعتبر أن الإصرار على التفاوض في موقف يتبنى فيه الطرف الآخر نهج الضغط لن يؤدي إلى أي نتائج، بل على العكس من ذلك سيفرغ يد المفاوض الإيراني عندما تعتبر المفاوضات مناسبة وملائمة، وأن تكرار دبلوماسية الاتفاق النووي السابقة في عهد حسن روحاني تعد ضربة للحكومة الحالية، والسؤال هنا كيف يمكن لإيران أن تساعد نفسها؟ وهل يمكن أن تقدم تنازلاً لترمب لا يمضي بموجبه في تنفيذ المذكرة، بحجة أن الأولوية بالنسبة إلى طهران هي التغلب على الظروف الداخلية والخارجية المعقدة؟

لقد كان لافتاً تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بعد توقيع ترمب مذكرة الضغط الأقصى، إذ قال إن مصلحة إيران هي ما تحرك سياستها الخارجية، وعلى رغم صحة وواقعية التصريح لأن المصالح هي أساس العلاقات الدولية، لكن وروده في أعقاب موقف ترمب يوحى بأن سياسة إيران ستتحرك وفق مصلحتها الآن والتي تتمثل في رفع العقوبات عنها وعقد صفقة مع ترمب وتجنب بطش إسرائيل التي تعمل على منذ عام ونصف العام على تغيير وجه الشرق الأوسط، وكان القضاء على مشروع إيران للهيمنة أهم مظاهر هذا التغيير.

* نقلا عن “اندبندنت” عربية

تابعنا عبر: