هل تضع أنقرة كل بيضها في سلة أوجلان

السياسي – قام وفد برلماني تركي قبل أيام بزيارة مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في محبسه بجزيرة إمرالي، ضمن مشروع “تركيا خالية من الإرهاب” الذي يهدف إلى طي صفحة الإرهاب الانفصالي. وكان الوفد يتألف من ثلاثة نواب ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، فيما رفضت الأحزاب الأخرى المشاركة في هذه الزيارة. وطرح الوفد أسئلة على أوجلان عن حل التنظيم ونزع سلاحه، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” وتنفيذ الاتفاق الذي وقع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في العاشر من آذار/ مارس الماضي.
زيارة الوفد البرلماني لأوجلان في محبسه كانت محل جدل بين أعضاء اللجنة البرلمانية المشرفة على مشروع “تركيا خالية من الإرهاب”، وكان حزب العدالة والتنمية يتردد في الإقبال على مثل هذه الخطوة خوفا من ردة الفعل الشعبية. إلا أن رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، خرج مرة أخرى ليعلن أنه مستعد لزيارة أوجلان مع بعض قادة حزبه في حال رفضت اللجنة البرلمانية أن تبعث وفدا إلى زعيم حزب العمال الكردستاني. وفتحت تلك التصريحات الباب أمام زيارة الوفد البرلماني لأوجلان.
بهتشلي الذي أشعل فتيل مشروع “تركيا خالية من الإرهاب” بالمبادرة التي أطلقها في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حين دعا أوجلان إلى إعلان حل التنظيم، يرى أن مؤسس حزب العمال الكردستاني هو الشخص الأول الذي يجب الحديث معه لنجاح المشروع. كما تسعى أنقرة إلى توظيف نفوذ أوجلان على حزب العمال الكردستاني في إفشال خطة استغلال التنظيم الإرهابي من قبل إسرائيل لتقسيم سوريا. ويُذكَر أن أوجلان قال: “لم أؤسّس هذا التنظيم ليخدم إسرائيل”. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: “هل من الصواب الرهان على دور أوجلان فقط في مثل هذا الملف الكبير والمعقد؟”
وسائل الإعلام التركية تنقل عن مصادر أمنية أن المشروع يؤتي أكله وأن التنظيم بدأ ينسحب من المناطق والمغارات القريبة من الحدود التركية في شمال العراق. وتؤكد ذات المصادر أن الأمور لا تسير في سوريا بنفس الوتيرة بسبب مماطلة “قسد” وتهربها من تنفيذ اتفاق العاشر من آذار/ مارس، وتأمل أن يشهد الملف المتعلق بالجناح السوري للتنظيم تقدما في الأيام القادمة. إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى أن هذا التفاؤل مبالغ فيه.
نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن قيادي في حزب العمال الكردستاني قوله إن التنظيم نفَّذ كل الخطوات التي بادر إليها أوجلان، مضيفا أن التنظيم الإرهابي لن يتخذ أي خطوة أخرى ما لم يتم الإفراج عن أوجلان. ومن المؤكد أن هذا شرط تعجيزي يهدف إلى إفشال المشروع، لأن قادة التنظيم الإرهابي المتواجدين في جبال قنديل يعرفون كما يعرف الجميع أن الإفراج عن مؤسس حزب العمال الكردستاني في هذه المرحلة أمر مستحيل، كما أن أوجلان نفسه لم يطالب به.
البرلمان التركي يستعد لإعداد قوانين من أجل عودة مجموعة من عناصر حزب العمال الكردستاني وأسرهم من شمال العراق إلى تركيا. ولكن القيادية في التنظيم الإرهابي، هوليا أوران التي تدعى أيضا بسه هوزات، قالت إنهم لا يريدون عفوا ولا قوانين لعودة هؤلاء إلى تركيا، لأنهم لم يرتكبوا أي جريمة.

وبعبارة أخرى، تريد هوزات أن يعود الإرهابيون من الجبال إلى المدن التركية لينخرطوا في الحياة اليومية في المجتمع التركي دون تسوية أوضاعهم وتأهيلهم عبر برامج معينة. كما أن لغة التهديد والاستفزاز التي تستخدمها، حين تقول إن مستقبل تركيا مظلم إن لم تطور هذا المشروع ولم تقدم خطوات نحو حل القضية الكردية، توحي بأن التنظيم الإرهابي يسعى إلى فرض شروط جديدة على أنقرة، على الرغم من إعلان حل نفسه وإلقاء سلاحه.
ما نقل عن لقاء الوفد البرلماني مع أوجلان يثير تساؤلات حول حقيقة رأي أوجلان في القيادة السورية الحالية وانضمام “قسد” إلى الجيش السوري. ويعتبر أوجلان الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع غير ديمقراطية، ويقول إنها ستتحول إلى نظام دكتاتوري آخر على غرار النظام البائد إن لم تجرِ إصلاحات ديمقراطية. ثم يشرح ما يعنيه بذلك ويطالب بإقامة كافة المكونات في سوريا كميوناتها ومجالسها الخاصة، بالإضافة إلى وجود قوات محلية تابعة لتلك المجالس. ويعني ذلك أن أوجلان يطالب بالنظام الفيدرالي في سوريا تحت مسمى “اللامركزية”، إن صح هذا النقل، وهو ما ترفضه دمشق وأنقرة جملة وتفصيلا.
تصريحات قادة حزب العمال الكردستاني تضع مشروع “تركيا خالية من الإرهاب” على المحك، فيما يقدم حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية خطوات في غاية الخطورة، كزيارة الوفد البرلماني لأوجلان في محبسه، وقد تنقلب تلك الخطوات عليهما سياسيا ليدفعا ثمنها غاليا في الانتخابات، في حال فشل المشروع. وأما الشارع التركي فيأمل أن تنجح الجهود المبذولة لطي صفحة الإرهاب الانفصالي، ولكنه في ذات الوقت لا يثق بأوجلان ولا بقادة التنظيم الإرهابي الآخرين، ويتابع التطورات والتصريحات بصمت مشوب بالقلق وعدم الرضا.
x.com/ismail_yasa