أحد أعظم إنجازات التاريخ في خطر ونبؤة كيسنجر أقرب للتحقق
غراهام أليسون
جيمس أ. وينفيلد جونيور
الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
عمل فني يخلد ذكرى الجنود الذين سقطوا خلال عملية إنزال النورماندي، بورتسموث، المملكة المتحدة، أكتوبر (تشرين الأول) 2025 (توبي ميلفيل/ رويترز)
ملخص:حقبة السلام الطويل التي عاشها العالم منذ 1945 لم تكن قدراً، بل نتيجة منظومة دولية صاغها قادة ما بعد الحرب لمنع تكرار الكارثة، لكنها اليوم تواجه خمس قوى تهدد بانهيارها: فقدان الذاكرة التاريخية، وصعود منافسين جدد، وتآكل التفوق الأميركي، وفرط التمدد العسكري، والانقسام السياسي الداخلي. الحفاظ على هذا “الاستثناء التاريخي” يتطلّب رؤية استراتيجية غير تقليدية شبيهة بتلك التي أطلقت نظام ما بعد الحرب.
شهدت العقود الثمانية الماضية أطول فترة من دون حرب بين القوى العظمى منذ الإمبراطورية الرومانية. هذه الحقبة غير المألوفة من السلام الممتد جاءت بعد حربين كارثيتين، كانتا أشد تدميراً بكثير من الصراعات السابقة، مما دفع المؤرخين إلى ابتكار فئة جديدة تماماً لوصفهما: الحربان العالميتان. ولو سار ما تبقى من القرن الـ20 على النهج العنيف والدموي نفسه الذي اتسمت به الألفيتان السابقتان، لكانت حياة معظم الناس الأحياء اليوم مختلفة تماماً.
وفي الواقع، لم يكن غياب الحروب بين القوى العظمى منذ عام 1945 محض صدفة، بل كان للحظ الجيد ولتزامن الظروف دور معتبر في حدوث ذلك. لكن تجربة الحرب الكارثية دفعت أيضاً مهندسي نظام ما بعد الحرب إلى محاولة تغيير مسار التاريخ. فخبرات القادة الأميركيين الشخصية في خوض الحرب والانتصار فيها منحهم الثقة للتفكير في ما لم يكن في الحسبان، وللإقدام على ما اعتبرته الأجيال السابقة مستحيلاً، وذلك من خلال بناء نظام دولي قادر على إحلال السلام. ومن أجل ضمان استمرار هذا السلام الطويل، يتعين على القادة الأميركيين والمواطنين الأميركيين على حد سواء إدراك مدى فرادة هذا الإنجاز، واستيعاب هشاشته، وبدء نقاش جاد حول ما سيتطلبه الحفاظ عليه لجيل قادم.
إنجاز خارق
ثلاثة أرقام تختصر جوهر النظام الأمني الدولي ونجاحاته: 80 و80 و9.
فقد مضت 80 عاماً منذ اندلاع آخر مواجهة عسكرية مباشرة بين القوى العظمى، وهي فترة من الهدوء أتاحت لسكان العالم أن يتضاعفوا ثلاث مرات، وللمتوسط العمري أن يرتفع إلى الضعف، وللاقتصاد العالمي أن ينمو بمقدار يفوق 15 ضعفاً. ولو أن قادة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قبلوا باستمرار منطق التاريخ كما كان، لاندلعت حتماً حرب عالمية ثالثة – ولكانت حرباً نووية قد تنهي الحروب إلى الأبد.
كذلك، مرت 80 عاماً منذ آخر مرة استخدمت فيها الأسلحة النووية في نزاع مسلح. وخلال تلك العقود، نجا العالم من سلسلة لحظات كادت تعصف به، أبرزها أزمة الصواريخ الكوبية التي وقفت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على حافة مواجهة نووية، وقدر خلالها الرئيس جون كينيدي احتمال اندلاع الحرب بنسبة تراوحت ما بين الثلث والنصف. وفي الآونة الأخيرة، في السنة الأولى من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، لوح الرئيس فلاديمير بوتين جدياً باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وبحسب “نيويورك تايمز”، قدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية احتمال قيام موسكو بضربة نووية بنسبة 50 في المئة إذا بدا أن الهجوم الأوكراني المضاد سيلحق هزيمة بالقوات الروسية المنسحبة. ورداً على ذلك، أوفدت واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز إلى موسكو لنقل مخاوفها. ومن حسن الحظ أن تنسيقاً دقيقاً وخلاقاً بين الولايات المتحدة والصين نجح في ثني بوتين، لكنه أكد مجدداً مدى هشاشة القاعدة العالمية غير المعلنة التي تحرم استخدام السلاح النووي.
كان قادة العالم يتوقعون أن تقدم الدول على تصنيع أسلحة نووية بمجرد امتلاكها القدرة التقنية اللازمة. وقد توقع الرئيس الأميركي جون كينيدي أن يصبح لدى العالم ما بين 25 و30 دولة نووية بحلول سبعينيات القرن الـ20، مما دفعه إلى إطلاق واحدة من أجرأ مبادرات السياسة الخارجية الأميركية. واليوم، وقعت 185 دولة على معاهدة عدم الانتشار وتعهدت بالتخلي عن الأسلحة النووية، فيما لا تزال تسع دول فقط تمتلك ترسانات نووية – وهو رقم بالغ الدلالة في حد ذاته.
ومثلما هي الحال بالنسبة إلى 80 عاماً من السلام وغياب الحروب النووية، يبقى نظام عدم الانتشار، الذي تتمحور حوله المعاهدة، إنجازاً هشاً بطبيعته. فهناك أكثر من 100 دولة تمتلك اليوم قاعدة اقتصادية وتقنية تمكنها من تطوير سلاح نووي، غير أن اختيارها الاتكال على ضمانات أمنية خارجية يعد خياراً غير مألوف من منظور الجغرافيا السياسية والتاريخ. وقد أظهر استطلاع أجراه “معهد آسان” عام 2025 أن ثلاثة أرباع الكوريين الجنوبيين باتوا يؤيدون امتلاك بلدهم سلاحاً نووياً خاصاً لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية. وإذا تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تحقيق مكاسب في حربه عبر تنفيذ ضربة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا، فستستنتج حكومات أخرى على الأرجح أنها في حاجة إلى درع نووي خاصة بها.
نهاية حقبة
في عام 1987، نشر المؤرخ جون لويس غاديس مقالاً بارزاً بعنوان “السلام الطويل”.
كان قد مر حينها 42 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي فترة استقرار يمكن مقارنتها بتلك الممتدة بين مؤتمر فيينا عام 1815 والحرب الفرنسية -البروسية عام 1870، والعقود التي تلت ذلك حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. رأى غاديس أن أساس هذا السلام الحديث والممتد هو الحرب الباردة. وفي سياق دولي كانت توازناته وظروفه الموضوعية كفيلة، في عصور سابقة، بإشعال حرب عالمية ثالثة، واجهت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بعضهما بترسانتين قادرتين على امتصاص الضربة النووية الأولى والرد عليها بشكل حاسم. وقد وصف الاستراتيجيون النوويون ذلك بمبدأ “التدمير المتبادل المؤكد” MAD.
وإلى جانب تأسيس الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والترتيبات المتعددة الأطراف التي تطورت لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي، والبعد الأيديولوجي الحاد للمواجهة الأميركية – السوفياتية، اعتبر غاديس أن العامل الحاسم في ترسيخ السلام كان الحكم المشترك لدى الطرفين بأن المصالح العليا للنظام الدولي أهم من الخلافات الأيديولوجية. فقد كان السوفيات يمقتون الرأسمالية، وكان الأميركيون يرفضون الشيوعية، لكن رغبتهم في تجنب التدمير المتبادل كانت أقوى من دوافعهم العقائدية. وكما أوضح غاديس: “يجب النظر إلى اعتدال الأيديولوجيات، إلى جانب الردع النووي وتقنيات الاستطلاع، باعتبارها آليات أساسية ذاتية التنظيم في سياسات ما بعد الحرب”.
وكما أدرك غاديس، كان العالم قد انقسم إلى معسكرين تسعى فيهما كل من القوتين العظميين إلى استقطاب الحلفاء حول العالم. فقد أطلقت الولايات المتحدة خطة مارشال لإعادة بناء أوروبا الغربية، وأسست صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم التنمية العالمية، ودفعت نحو إنشاء الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة لوضع قواعد التبادل الاقتصادي وتعزيز النمو. ولم تلبث واشنطن أن تخلت عن استراتيجيتها التقليدية القائمة على تجنب التحالفات الملزمة – وهي فكرة تعود إلى عهد جورج واشنطن – لتنتظم في حلف شمال الأطلسي وتلتزم معاهدة دفاعية مع اليابان. وقد استخدمت كل أداة متاحة لبناء نظام أمني دولي قادر على مواجهة الخطر الذي مثله الشيوعية السوفياتية.
وكما أوضح أليسون في مجلة ” فورين أفيرز”: “لو لم يكن هناك تهديد سوفياتي، لما قامت خطة مارشال ولا الناتو”.
كان أساس السلام الطويل الحديث هو الحرب الباردة
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي مطلع التسعينيات، ساد خطاب احتفالي يبشر بعصر أحادي القطبية لم يبق فيه سوى الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة. ورأى أنصار هذا التصور أن النظام الدولي الجديد سيجني ثمار السلام، الذي يمكن للدول أن تزدهر فيه من دون القلق في شأن صراع بين القوى العظمى، بل إن السرديات السائدة خلال العقدين الأولين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ذهبت إلى حد إعلان “نهاية التاريخ”. وعلى حد تعبير عالم السياسة فرانسيس فوكوياما، كان العالم يشهد “نقطة النهاية في التطور الأيديولوجي للبشرية، وانتشار الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل نهائي للحكم البشري”.
وباستخدام مطاعم ماكدونالدز كمثال، طرح توماس فريدمان “نظرية الأقواس الذهبية لمنع الصراعات”، التي جادلت بأن التطور الاقتصادي والعولمة سيكفلان عهداً من السلام. وقد أسهمت هذه الأفكار في تشكيل الخلفية الفكرية لغزو الولايات المتحدة كلاً من أفغانستان والعراق، وهما حربان غرقت فيهما واشنطن لعقدين من الزمن من دون نصر حاسم ومن دون نهاية واضحة.
كانت الدبلوماسية الخلاقة ركناً أساساً في هذه المرحلة من القصة. فتفكك الاتحاد السوفياتي وظهور روسيا و14 دولة مستقلة جديدة في أوروبا الشرقية كان يفترض أن يؤدي إلى طفرة في عدد الدول المسلحة نووياً. فقد ترك أكثر من 12600 سلاح نووي خارج الأراضي الروسية عند انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تطلب منع وقوع هذه الترسانة في الأيدي الخطأ شراكة استثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا “اليلتسينية” الساعية إلى التحول الديمقراطي، بتمويل من برنامج تعاون لنزع السلاح النووي قاده عضوا مجلس الشيوخ الأميركي سام نان وريتشارد لوغار. وبحلول عام 1996، كانت الفرق المتخصصة قد أزالت كل سلاح نووي من أراضي الجمهوريات السوفياتية السابقة، وأعادته إلى روسيا أو فككته بالكامل.
وقد أعادت التحولات الجيوسياسية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي ضبط علاقات واشنطن مع كل من خصومها السابقين ومنافسيها الصاعدين. ففي عام 2009، عندما تولى باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، كان ينظر إلى كل من روسيا والصين على أنهما “شريكان استراتيجيان”. وظل هذا هو الرأي السائد. ولكن بحلول وقت وصل فيه دونالد ترمب إلى الرئاسة عام 2017، أدت حقيقة صعود الصين الطموح والسريع، وروسيا الساخطة الساعية إلى الانتقام، إلى الاعتراف بأن الولايات المتحدة دخلت حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى.
الأخطار المقبلة
قبل وفاته عام 2023، كان هنري كيسنجر يكرر تذكير زملائه بأنه لا يعتقد أن عقود السلام الثمانية بين القوى العظمى ستصمد لتبلغ قرناً كاملاً. وتشير دروس التاريخ إلى عوامل كثيرة يمكن أن تنهي دورات جيوسياسية كبرى بعنف، غير أن خمسة عوامل تبرز بوضوح كفيلة بإنهاء حقبة السلام الطويلة الحالية.
(1) في طليعة هذه العوامل فقدان الذاكرة.
فأجيال متعاقبة من البالغين الأميركيين، بما في ذلك كل الضباط العاملين في الجيش اليوم، لا تملك أي تجربة شخصية مع الفظائع التي تخلفها حرب بين القوى العظمى. وقليلون يدركون أنه، قبل هذه الفترة الاستثنائية من السلام، كانت حرب كل جيل أو جيلين هي القاعدة. وكثر اليوم يظنون أن اندلاع حرب بين القوى الكبرى أمر غير قابل للتصور – من دون أن يدركوا أن هذا ليس وصفاً لواقع العالم بقدر ما هو حد لما يستطيع خيالهم تصوره.
(2) كما أن وجود منافسين صاعدين يهدد السلام أيضاً.
فالصعود السريع والمذهل للصين يتحدى التفوق الأميركي، في تكرار لنمط المنافسة الشرسة بين قوة راسخة وأخرى صاعدة، وهو النمط الذي حذر منه المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس باعتباره يؤدي إلى الصراع. ففي مطلع القرن الـ21، لم تعر الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً لفكرة التنافس مع الصين، التي كانت متأخرة اقتصادياً وعسكرياً وتقانيًا (تكنولوجياً). أما اليوم، فقد لحقت الصين بالولايات المتحدة أو حتى تجاوزتها في مجالات كثيرة، من بينها التجارة والتصنيع والتقنيات الصديقة للبيئة، وتحرز تقدماً سريعاً في مجالات أخرى. وفي الوقت نفسه يظهر بوتين – الذي يحكم بلداً يزداد ضعفاً لكنه لا يزال يمتلك ترسانة نووية قادرة على تدمير الولايات المتحدة – استعداده لاستخدام القوة العسكرية لاستعادة قدر من “العظمة الروسية”. ومع تصاعد التهديدات الروسية وتراجع دعم إدارة ترمب لحلف “الناتو”، تجد أوروبا نفسها تكافح للتعامل مع تحديات أمنية حادة في العقود المقبلة.
(3) يسهم التقارب الاقتصادي العالمي بدوره في زيادة احتمالات اندلاع الحروب.
فقد تآكل التفوق الاقتصادي الأميركي مع تعافي الدول الأخرى من دمار الحربين العالميتين. ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، حين كانت معظم الاقتصادات الكبرى قد دمرت، كانت الولايات المتحدة تنتج نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعند نهاية الحرب الباردة انخفضت حصتها إلى الربع. أما اليوم، فلا تتجاوز حصتها سبع الاقتصاد العالمي. ومع تغير ميزان القوة الاقتصادية بين الدول، يبرز عالم متعدد الأقطاب تستطيع فيه قوى مستقلة عدة العمل داخل نطاقات نفوذها الخاصة من دون طلب إذن، أو الخوف من عقاب. ويتسارع هذا التآكل عندما تتمدد القوة المهيمنة مالياً إلى ما يتجاوز قدرتها، وهو ما يجادل به مدير صندوق التحوط الشهير راي داليو، محذراً من أن الولايات المتحدة تسلك هذا المسار الآن.
إن الأجيال المتعاقبة من البالغين الأميركيين لم يختبروا شخصياً حرباً بين القوى العظمى
(4) عندما تفرط قوة قائمة في التمدد عسكرياً – خصوصاً في صراعات لا تحتل موقعاً متقدماً في سلم مصالحها الحيوية – فإن قدرتها على ردع القوى الصاعدة أو التصدي لها تتراجع.
وفي هذا السياق، كتب الفيلسوف الصيني القديم سن تزو: “عندما تنتظم الجيوش في صراعات مطولة، فإن موارد الدولة ستستنزف”، وهو ما قد ينطبق على التوسع المكلف لمهام القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وعجز الجيش عن التركيز على تحديات أكثر إلحاحاً. وقد أدى التركيز الضيق للموارد على هذه الصراعات المطولة إلى صرف انتباه الولايات المتحدة عن تحسين قدراتها الدفاعية ضد خصوم أكثر تطوراً وخطورة. وما يثير القلق أكثر هو أن مؤسسة الأمن القومي الأميركية أصبحت عالقة في حلقة مفرغة (بدعم من الكونغرس والصناعة العسكرية) تدفعها إلى طلب مزيد من الوسائل، أي مزيد من التمويل، بدلاً من البحث عن طرق أكثر استراتيجية لمواجهة التهديدات الخطرة المحدقة بمصالحها القومية.
(5) وأخيراً، وهو الأكثر إثارة للقلق، فإن ميل قوة قائمة إلى الانزلاق نحو انقسامات سياسية حادة في الداخل يشل قدرتها على العمل بشكل متماسك على الساحة الدولية.
ويصبح هذا خطراً بصورة خاصة عندما يتأرجح القادة بين مواقف متناقضة حول ما إذا كان ينبغي للبلاد الحفاظ على نظام عالمي ناجح وكيفية تحقيق ذلك. وهذا ما يحدث في الوقت الراهن: إدارة في واشنطن، تبدو حسنة النية ظاهرياً، تعيد تشكيل معظم العلاقات الدولية والمؤسسات والآليات القائمة، لفرض رؤيتها حول تغيير النظام الدولي.
الدورات الجيوسياسية الطويلة لا تدوم إلى الأبد.
والسؤال الأهم الذي يواجه الأميركيين والنظام السياسي الأميركي المنقسم هو ما إذا كانت الأمة قادرة على استجماع قواها للاعتراف بأخطار اللحظة الراهنة، وإيجاد الحكمة اللازمة لتجاوزها، واتخاذ إجراءات جماعية لمنع الأزمة العالمية القادمة أو بالأحرى تأجيلها.
وللأسف، كما كتب هيغل، فإن أعظم درس يعلمنا إياه التاريخ هو أن البشر في كثير من الأحيان لا يتعلمون من دروس التاريخ. عندما صاغ الاستراتيجيون الأميركيون استراتيجية الحرب الباردة التي شكلت أساس السلام الطويل، كانت رؤيتهم أبعد من الحكمة التقليدية السائدة في العصور السابقة. واليوم، إن الحفاظ على هذا الاستثناء الذي سمح للعالم بعيش فترة غير مسبوقة بلا حرب بين القوى العظمى، يتطلب مستوى مماثلاً من الخيال الاستراتيجي والعزم الوطني.
***
مترجم عن الشؤون الخارجية-“فورين أفيرز” 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025-اندبندنت عربية
*غراهام أليسون، أستاذ كرسي دوغلاس ديلون للحكومة في جامعة هارفرد. ومؤلف كتاب “محكوم بالحرب، هل تستطيع أميركا والصين الهرب من فخ ثوسيديديس؟”
*جيمس أ. وينفيلد جونيور هو نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق. وكان رئيس مجلس الاستشارات الاستخباراتية في البيت الأبيض من عام 2022 إلى عام 2025.c






