هل رد إيران على إسرائيل سيكون على وقع المحادثات لأجل غزة

د.جيرار ديب

صرّح كبار المسؤولين الإيرانيين إلى وكالات غربية أنّ السبيل الوحيد الذي يمكن أن يرجئ ردّ إيران المباشر على إسرائيل بسبب اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس في طهران، هو التوصّل في المحادثات المأمولة إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

أيّدت طهران منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” حركة حماس في قطاع غزة، ودعمتها بكافة الأشكال السياسية والعسكرية واللوجستية، والدليل أنّ هنية عندما اغتيل في 31 يوليو الماضي كان يشارك في تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في طهران. إلا أن اغتياله شكّل “معضلة” رئيسية للنظام في إيران، ورغم أنه مضى وقت على ذلك إلا أن الردّ الإيراني لم يأتِ بعد.

ليس الردّ الإيراني هو الوحيد المنتظر، بل هناك الحليف الرئيسي لإيران في المنطقة وهو حزب الله اللبناني الذي وعد بردّ مزلزل داخل إسرائيل إثر اغتيال إسرائيل لفؤاد شكر أحد أبرز قادته في الضاحية الجنوبية لبيروت. اغتيالان بارزان في المنطقتين يعتبران تخطيًا للخطوط الحمر الممنوع على إسرائيل تخطيها وإلا تكسر بذلك قواعد الاشتباك وتصبح الحرب مفتوحةً على كافة الاحتمالات وبلا سقوفٍ على حدّ تعبير أمين عام حزب الله حسن نصرالله في إحدى كلماته المتلفزة.

قالت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين 12 أغسطس الجاري إن واشنطن تتوقّع أن تمضي محادثات السلام في غزة قدمًا مثلما هو مخطّط لها، مضيفةً أنها تعتقد أن اتّفاق وقف إطلاق النار لا يزال ممكنًا. هذا وكان قادة الدول المعنية مباشرةً في الحرب على قطاع غزة، الولايات المتحدة ومصر وقطر، دعوا كلًا من حماس وإسرائيل لإجراء محادثات الخميس 15 أغسطس لوضع اللمسات النهائية على اتّفاقٍ دائمٍ لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.

شدّدت حركة حماس في وقتٍ سابقٍ على لسان رئيس مكتبها السياسي الجديد يحيى السنوار على ضرورة الالتزام بمقترحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي كان قد قدّمها سابقًا، دون إجراء أيّ تعديل عليها. بالمقابل نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن وثائق إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أضاف سرًّا شروطًا جديدةً إلى مطالب تل أبيب في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى.

مهما حملت هذه الشروط من بنود، إلا أنّها ستُعتبر بحكم المرفوضة من قبل حركة حماس ما يعني أنّ الرهان على المفاوضات بات في حكم الفاشل. هذا ما سيضع إيران ومحور الممانعة في خانة الردّ المنتظر على ما ارتكبه العدو من اغتيالات في الأماكن المحرّمة عليه من قبل المحور. لكن ما بات المتابع يسأل عنه “هل وضعت إيران نفسها في معضلةٍ جوهريةٍ بين الردّ على خرق سيادتها أو انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات تحت شعار وحدة الساحات ووحدة المصير والمسار؟”.

أطلق المحور المتحالف مع طهران منذ حرب غزة شعار “وحدة الساحات” نصرةً لحركة حماس التي تُعتبر واحدةً من الجماعات التي تنتمي إلى محور الممانعة، حيث اشتعلت في اليوم التالي جبهة لبنان الجنوبية وأشرك فيها حزب الله لأول مرة فصائل إسلامية منضوية تحت جناح هذا المحور على رأسها الجماعة الإسلامية في لبنان، كذلك فعل الحوثي في البحر الأحمر في إطلاق صواريخه ومسيّراته إلى العمق الإسرائيلي، وهذا ما تفعله جماعة الحشد الشعبي في العراق بضربها قواعد أميركية أو إسرائيلية في المنطقة.

المبدأ العام يقول إن على إيران تحديدًا الردّ بمعزل عن نتائج المفاوضات، لأن الضربة استهدفت العاصمة الإيرانية وهذا ما يُعتبر انتهاكًا للسيادة بحسب ما صرّح به أكثر من مسؤولٍ إيراني. ولكن بحسب مبدأ وحدة الساحات فإن الردّ الإيراني سيكون تصعيديًا في حال فشلت المفاوضات بالتوصّل إلى تسوية. لهذا تعيش إيران اليوم هذه المعضلة، بين التزامها بما أسّست له على مدى عقود منذ إطلاق ثورتها عام 1979 وبين الحفاظ على سيادتها وردع ما يمسّ بأمنها القومي.

إلى حين تنتهي إيران من حلّ معضلتها، وفي ظلّ انتظارها ما ستؤول إليه محادثات وقف إطلاق النار في غزة التي لن تصل إلى نتائج مرجوة، هناك أميركي يعمد إلى ممارسة هواياته، ويقوم باللعب في الوقت البدل من الضائع ويرسل تعزيزاته إلى المنطقة لردع إيران من توسيع دائرة ردّها على إسرائيل؛ إذ أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الثلاثاء 13 أغسطس الجاري الغواصة “يو إس إس جورجيا” التوجّه إلى ما يسمّى المنطقة المركزية لمساعدة إسرائيل، وبتسريع وصول حاملة الطائرات أبراهام لينكولن. كما وقال أوستن إن الكونغرس وافق على إبرام صفقة بيع أسلحة بمليارات الدولارات لإسرائيل على رأسها بيعها طائرات إف – 15 مقابل أكثر من 18 مليار دولار.

بين وحدة الساحات التي تفرض على إيران الردّ على اغتيال هنية، وبين القراءة الإيرانية التي ترتكز على إستراتيجية الصبر، ووسط عجزٍ روسيٍ في توسيع الحرب وعدم مبالاة صينية، وفي ضوء منطقة باتت ترزح تحت ثقل قواعد أميركية، وعطش إسرائيلي للقيام بضربة نووية على إيران تنهي حضورها في المنطقة، ومع من يؤمن أنّ المنطقة واقعة في ظلّ التقاطع الأميركي – الإيراني لإسقاط سايكس بيكو وإعادة ترتيبها بما ينسجم مع مصالحهما، تبقى غزة وأهلها الضحية الأبرز؛ على ضوء كل هذا لن يكون هناك ردّ بالمفهوم المنتظر بقدر ما سيكون حفظا -غير مزعج- لماء الوجه.

شاهد أيضاً