أصدر كريم خان، رئيس الإدّعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية -وتلك تختلف عن محكمة العدل الدولية، وإن كانت إحدى أدواتها في تحقيق العدالة الدولية، وكذا التحقيق وتحري الجرايم الدولية، والتي ترتكب بشكل جماعي ضد الإنسانية- منذ عدة أيام مذكرة اعتقال لكل من بنيامين نتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وكذا وزير دفاعه يوآف جلانت، وكذا كل من إسماعيل هنية ويحي السنوار ومحمد الضيف من قادة حماس، من ناحية أخرى.
وقد لقي قراراه هذا ترحيبا عربيا مع بعض التحفظات فيما يخص قرار القبض على قادة حماس -كما لقي استنكارا ورفضا وتنديدا صهيونيا- من المعارضة والموالاة معا – وكذا أمريكيا بطبيعة الحال.
واعترض الكثيرون من الجانب العربي، والداعم للحق الفلسطيني في استعادة أراضيه وحقوقه المغتصبة، بطبيعة الحال، وبما في ذلك المقاومة الفلسطينية ممثلة في حماس وغيرها من فصائل المقاومة -على قرار اعتقال قادة حماس، لأن هذا القرار يساوي بالفعل بين الضحية الجلاد- ويساوي كذلك بين الاحتلال والغزاة ومقاومي هذا الاحتلال وهؤلاء الغزاة – فضلا عن أنه لا يحق للمحتل أن يتمسك أو يدعي هنا بحق الدفاع عن النفس في أي أرض يحتلها أو يقضمها غصبا، وكما قررت وأقرت ذلك كافة الشرائع الدولية.
ولكني أعتقد أن خان لجأ إلى إقحام قادة حماس في مذكرة الاعتقال لخلق نوع من التوازن في قراره، أو مذكرة اعتقاله لقادة الكيان الصهيوني، للتخفيف ربما من وطأة العاصفة الدولية المحتملة ، والمنحازة لدولة الكيان -وخاصة من قبل الولايات المتحدة، وقد حدث هذا بالفعل ؛ من وعيد و توعدات وتهديدات للمحكمة الجنائية الدولية من ناحية، ولمدعي العام ذاته بصفة شخصية من ناحية أخرى، ومن قبل الكونجرس الأمريكي ذاته؛ وذلك بقطع اي دعم مادي أو معنوي للمحكمة من ناحية، وعقوبات لكريم خان بمنعه من دخول الأراضي الأمريكية هو أو اي من أفراد اسرته، وغيرها، من ناحية أخرى، إذا لم يتراجعوا عن هذا القرار!
ويبدو انهم كانوا بالمحكمة الدولية يتوقعون كل تلك العاصفة إذن ، كما كانوا مستعدين لها .
ولكن أي توازن قد تحقق هنا بأن تقبض على اثنين فقط من عتاة القتلة والإجرام ومن كيان محتل، وعلى ثلاثة أفراد من المقاومة الشرعية والمشروعة في غزة . ولو قصرنا المقارنة حتى على المساحة فلن نجد هناك أي مقارنة تقريبا ، وحيث لا تتعدى مساحة قطاع غزة 360 كم2 تقريبا، بينما مساحة دولة الكيان ــ من فلسطين المحتلة ــ 22145 كم2.
ثم لماذا استبعد المدعي العام للجنائية الدولية رئيس الأركان الصهوين هرتسي هليفي ، والذي كان الأداة التنفيذة في كل هذا الترويع و القتل الجماعي والتجويع الجماعي للمدنيين ، وهدم كل البنى التحتية المدنية من مستشفيات ، ومحطات توليد كهرباء وصرف صحي وحتى مياه الشرب ، وتجريف كل شيء في غزة تقريبا ، وهدم منازل الأسر االمدنية الآمنة فوق رؤوس أصحابها ، ومن غير حتى انذار مسبق بالهدم أو التفجير . ولقد جرف كل شيء في غزة تقريبا وحتى بدت وكأنها غير صالحة للحياة .
وكيف يستثني كذلك كل من حرض ، ولا يزال يحرض على قتل المدنيين، ليل ونهار ، وفي كل وقت ، ومن غير تفريق هنا بين مدني مسالم ومقاوم لجيش الاحتلال الصهيوني . وحتى صار التحريض الآن نحو احتلال وهدم المقدسات الاسلامية ذاتها ، فضلا عن تدنيسها ، وخاصة في المسجد الأقصى، وكيف يستثنى إذن من مذكرة الاعتقال كل من بن غفير وسميترتش .
بل اننا في هذه الحالة لا نجد فروقا شاسعة بين المعارضة والموالاة ، أو الصقور والحمائم .
فقد أدان يائير لابيد ــ والذي يمثل التيار المعارض الرسمي لنتانياهو ــ قرار المحكمة ايضا ، كما أدان بالمناسبة قرار اعتراف كل من أسبانيا وإيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية ، تماما كما أعترض على ذلك نتانياهو !
المعارضة والمولاة ، أو الصقور والحمائم إذن هي لعبة الكيان الصهيوين لكي يخدع بها العالم بانهم دولة ديموقراطية وبها تعددية ، بينما هم في حقيقة الأمر جميعا صوتهم واحد ، وعلى موجة واحدة ، و كما هو هدفهم واحد ، وهو القضاء على الشعب الفلسطيني ــ لا قدر الله ــ وحتى لا يكون من ينادي بعدئذ حتى بعدالة القضيته فضلا عن الحكم فيها من قبل قداة عدول يبدو أن هذا الزمان قد عز وضن بهم عنهم وخلا منهم جميعا .
وأخيرا إذا اعتبر خان أن قراره هذا خرج متوازنا ، فمن من المؤكد انه توازن مخل ، وغير متوازن أصلا .