أثناء تصفحي للأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفت انتباهي تداول البعض خبرا مفاده، “اعلام الاحتلال: الجيش يعلن نقصا في عدد الدبابات بسبب الاستهدافات ما يؤثر على مسار الحرب”، وكأن هذا الخبر أكثر أهمية ويستحق الاهتمام أكثر من آلاف الأخبار على مدار الساعة التي تتحدث عن إبادة جماعية منذ أكثر من عشرة شهور.
في الوقت الذي يرى البعض أهمية هذا الخبر، أود أن ألفت انتباههم ببعض العناوين السريعة مثل فقدان غزة حتى الآن نحو 150 ألف شهيد وجريح وعشرات الآلاف من الأسرى والمفقودين في سجون الاحتلال وتحت ركام آلاف الأطنان من المباني المدمرة بالطيران الأمريكي وليس بالدبابات التي وإن نقصت فعلا فإن الولايات المتحدة لن تتوانى وستدعمها فورا بدون أي مشاكل أو خلافات حول هذا الأمر، فالقضية محسومة، أي نقص سيواجه بدعم أمريكي غير محدود.
إن غزة عانت ولا تزال تعاني من اختطاف آلاف الرجال والنساء، حتى باتوا مجهولي المصير، وإن عرف مصيرهم فإنهم يعانون الويلات وظروف اعتقال تتجاوز أي منطق يستقبله العقل الإنساني، ف إفادات المفرج عنهم ولعل عيون الشاب بدر دحلان أكبر دليل، وما خفي أعظم فعلا.
أود أن انبه من تداول هذا الخبر، إلى أن قطاع غزة أصبح مستباحا بشكل مطلق من الشمال إلى الجنوب، وأن الحصار والإغلاق قد أحكم قبضته عليه من جميع الجهات، وفقد الأماكن الصالحة للسكن وتم تدمير أكثر من ٨٠ ٪ من بيوت ومصانع غزة بشكل كامل وتحويلها إلى أكوام من الركام الذي يحتاج إلى سنوات طويلة فقط لنقلها، فيما لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار، لأن “ما خفي كان أعظم”.
كان الأجدر بالجميع أن يستغل وجود عشرات الآلاف من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والاهتمام بأخبار أهم وأكثر مصداقية، مثل معاناة المواطنين بالنزوح وغياب الطعام والماء الصالح للشرب، والمجاعة في شمال ومدينة غزة، أليس أحق علينا أن نتطرق إلى معاناة الناس الأبرياء بشكل يومي للحصول على بضعا من اللترات من الماء الصالح إن وجد أصلا.
لسنا بحاجة إلى تذكير الجميع بالانتشار الرهيب والمرعب للأمراض والأوبئة بين النازحين بسبب غياب جميع مقومات الحياة الصحية والاكتظاظ الهائل ونقص الأدوية وتدمير المستشفيات وانهيار المنظومة الطبية، وتوقف منظومة التعليم بشكل كامل، بالإضافة إلى انهيار المنظومة الاقتصادية باستثناء بعض التجار المحتكرين.
نعم.. إسرائيل أعادت قطاع غزة 100 عاما إلى الوراء، وجعلت الجميع على مستوى واحد من المعيشة “في الخيام” ومنهم يفترش الشارع، وبات غالبية الشبان والعائلات يفكرون فعليا بالهجرة إلى أوروبا فور انتهاء الحرب وفتح معبر رفح، بينما يوجد بعض الصحفيين يمارسون عمليات تضليل إعلامي أمام متابعيهم وكأن شعبنا لديه قدرات هائلة وخارقة، بينما يتم التغاضي بشكل مقصود عن أوجاع شعبنا وخسائره الهائلة غير المسبوقة.
أخيرا، لا أجد أي مبرر لإظهار شعبنا على أن لديه قدرات خارقة ولدينا ترسانة عسكرية غير مسبوقة هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، يجب أن نعترف أننا شعب ينزح تحت احتلال يحاول بامكانيات بسيطة أن يدافع عن أرضه وشعبه سواء اتفقنا مع السابع من أكتوبر أو اختلفنا، الأمر الذي يجعل المواطن البسيط لا يرى أي انجاز مقارنة بالخسائر الكبيرة التي نتكبدها على الصعيد البشري والمادي والمعنوي لا سيما قطاع غزة بأكلمه.