هل هناك تهجير من غزة؟ وهل ستُفتح المعابر؟

ميساء أبو غنام

القرارات المتصلة بقطاع غزة تُظهِر أن هناك سيناريوهات متعددة تُطبَق لتحقيق أهدافٍ واضحة، وأهمها تفريغ غزة. أن تهجير سكان القطاع أمرًا حتميا على مراحل وربما يحتاج لسنوات بشكل متقطع وتدريجي وطوعي …انه ليس مجرد احتمال يتعلق بالقوانين الإقليمية أو الدولية؛ إنّه مشروع
سياسي واسع النطاق في المنطقة قد لا يتحقّق ما لم يفرغ القطاع من سكانه الأصليين. وهذا ما أشرتُ إليه قبل عامين.
كيف يُتوقع أن يتم ذلك؟ يمكن تلخيص المراحل التي قُدمت أو جرت بالفعل منذ 7 اكتوبر
1. الحرب العسكرية وما رافقها من مسار سياسي واضح ذا اهداف واضحة بالتعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات الاسرائيلية والامريكية والدول المتحالفة ، ما يُسهِم في خلق واقع جديد على الأرض.
2. تدمير البنية التحتية في غزة على نطاق واسع، كآلية لدفع السكان إلى الهجرة الطوعية.
3. إنهاء الاسلام السياسي في الشرق الاوسط وضرب ايران وتدمير قوتها الاقليمية والقضاء على اذرعها …
4. تفتيت منظومة الحكم المحلي في غزة وخلق فراغ إداري وسياسي يصعّب عودة الحياة المدنية الطبيعية.
5. استقدام قوات متعددة الجنسيات، بغطاء أو شرعية دولية/أميركية، لتولّي إدارة ملف إنساني/أمني مؤقت.
فتح المعابر……
لن يتم بشكل فعلي إلّا بعد تحقيق شروط أمنية مسبقة، تتضمن إنهاء ملف عناصر حماس المسلحة و نزع سلاحهم واعتقال واغتيال بعض المطلوبين. ضمن هذا الإطار قد تُفتح معابر بحرية، وقد يتم انشاء مطار مؤقت، إلى جانب تنسيق مع معبر رفح المصري وفتح معابر إسرائيلية مثل رامون أو معبر النبي باتجاه الأردن، لتيسير خروج من يرغب من السكان بعد الموافقات الأمنية. كما أن سياسة توزيع الخروج سترافقها حوافز مالية وخدمات إغاثية وإقامة مؤقتة في دولٍ مستقبِلة، لتشجيع المزيد من السكان على المغادرة طواعيًا.
بعد كل هذه الخطوات، يظلّ الهدف المركزي تفريغ غزة من سكانها. لكن هذه الاستراتيجية تختلف عن تهجير 1948 و1967: الهدف الحالي يتمثل في دفع السكان إلى الخروج طوعًا ثم تفتيتهم جغرافيًا واجتماعيًا — ليس بوصفهم لاجئين بالمعنى التقليدي فقط، بل كمهاجرين يستقبلهم شريحة من دول العالم لأسباب سياسية أو اقتصادية. دول غربية، دول خليجية منتقاة تستقبل مع الدول العربية اصحاب رؤوس الاموال من الغزيين وربما الاكاديميين في تخصصات معينة ، ودول آسيوية قد تستفيد من ترتيبات استيعابية مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية إقليمية.
الآثار الديموغرافية المحتملة ستقود إلى أن عدد المقيمين المتبقين في غزة سيتقلص بدرجة ملحوظة؛ فحتى الآن غادرها خلال العامين الماضيين أعداد كبيرة ممن يملكون موارد مالية أو من خرجوا للعلاج، وربما خروج مزيد من السكان ليس بالأمر الصعب عمليًا إذا رافقته آليات تحفيز مالية وإجراءات استقبال منظمة من دول متعاونة.
الغاية طويلة المدى لهذا المخطط تبدو تحويل غزة — بعد عمليات الإعمار وإعادة التنظيم — إلى نموذج اقتصادي تسيطر عليه شركات واستثمارات دولية تحت وصاية امريكية ونفوذ خارجي، ما يجعل عودة واسعة لسكانها الأصليين أمراً بعيد المنال. في هذا السيناريو، قد تقتصر المقيمون على فئات هشّة مثل كبار السن والمرضى، يجمعون في مناطق إنسانية محددة، بينما تتحوّل البنية العمرانية والاقتصادية للقطاع إلى مشروع استثماري ذي طابع خاص.
خلاصة القول: ما يجري ليس مجرد إدارة أزمة عابرة، بل عملية إعادة تركيب سياسي وديموغرافي يقترن بتسويات أمنية ودولية. التفريغ الطوعي للقطاع وإعادة توزيع سكانه عبر قنوات منظمة قد تكون جزءًا من خطة طويلة المدى لضمان تحوّل جغرافي واقتصادي يجعل من العودة الشاملة للمغادرين أمراً مستبعداً، وفي هذه الحالة يصبح ملف غزة أحد أبرز أمثلة التقاطع بين الأمن والسياسة والاقتصاد في الصراع الإقليمي والعالمي