هل يقامر العالم؟ حرب كبرى على الأبواب… ماذا لو اغتالت إسرائيل المرشّد؟

بن معمر الحاج عيسى

في قلب جحيم الشرق الأوسط المتصاعد، وبين ألسنة نار مشتعلة لا تكاد تنطفئ حتى تعود بأعنف مما كانت، يبرز سؤال يقضّ مضاجع العواصم الكبرى ويشعل كواليس أجهزة الاستخبارات: ماذا لو قررت إسرائيل اغتيال هرم السلطة_ المرشد_ الإيراني في خطوة قد تعتبرها طهران إعلانًا صريحًا لقب النظام؟ إن هذا الاحتمال ليس مجرّد سيناريو خيالي، بل هو ورقة مشتعلة على طاولة الصراع، وقد يُلهب المنطقة بكاملها ويدفع بها إلى آتون مواجهة غير مسبوقة.

ففي حال نفذت إسرائيل هذا الاغتيال، فإن الرد الإيراني سيكون خارج حدود المألوف، ولن يُقاس بمنطق الردود الموزونة التي تعودناها. سيكون الرد معممًا، موجعًا، وقد يشمل لأول مرة قواعد أمريكية في الخليج، السفن الحربية، المصالح الاقتصادية، وربما استهداف مباشر لمضيق هرمز، سياسة وضع اليد…. الشريان النفطي العالمي الأكثر حساسية، إذ أن مجرد تهديد بإغلاقه قد يربك الأسواق العالمية، ويجعل برميل النفط يحلق إلى أرقام غير مسبوقة، فما بالك بضربة عسكرية مباشرة…قد أمورك إدارة ترامب؟!
ماذا لو تورطت الولايات المتحدة في المستنقع الإيراني، وتداعيات دخولها الحرب رسميًا، فإن هذا يعني تغيرًا جذريًا في قواعد الاشتباك. فهل تدفع واشنطن نحو الحرب فعلًا؟ أم أن هناك من في الداخل الأمريكي، خاصة بين الجمهوريين وأصحاب المال من يرى فيه مجازفة محفوفة المخاطر ويرى أكثر المتابعين داخل امريكا أن أي تورط مباشر سيكون انتحارًا سياسيًا واقتصاديًا؟ غير أن ثمة من يُقدّر أن دخول واشنطن الصراع، قد يكون عبر مجازفة مدروسة، بهدف قلب النظام في طهران وإنهاء.. نظام الملابس عبر “الثورة الخلافة”، وهو مشروع ظل مؤجلًا منذ سقوط الشاه. لكن هذا القرار إن اتُّخذ، فستكون كلفته السياسية والمالية والإنسانية هائلة، ليس فقط على الولايات المتحدة بل على حلفائها، من أوروبا وحتى الخليج، إذ ستكون هناك فاتورة طويلة، ربما لا يستطيع أحد دفعها منفردًا.

وفي المقابل، هل تمتلك إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما القدرة على تحمّل هذه التكاليف؟ أم أن لعبة تقاسم الأعباء ستُفرض بقوة السلاح والنفط والسياسة؟ من سيدفع الفاتورة فعلًا؟ الخليج؟ أوروبا؟ الشركات النفطية الكبرى؟ أم أن الجميع سيقع ضحية الجنون الاستراتيجي الذي قد يُفجَّر في لحظة خطأ واحدة؟

ثم، ما محل مضيق هرمز من الإعراب في هذه المعادلة؟ هل سيكون نقطة البداية أم خط النهاية؟ إن ضرب المضيق أو حتى تعطيله يعني انتحارًا اقتصاديًا جماعيًا للعالم، لكنه في الوقت نفسه قد يكون الورقة الرابحة لطهران لتجميد أي قرار عسكري دولي ضدها. إنها ورقة الردع الأخيرة، لكنها أيضًا بوابة الخراب.

في طهران، لا يبدو أن النظام في عجلة من أمره لخوض حرب شاملة، ولهذا يسير وفق مبدأ التدرج، سياسة النفس الطويل، ردود فعل محسوبة، ضربات رمزية لكنها ذات دلالة. فهل هو مجرد تكتيك مرحلي؟ أم أن إيران تُمهّد لدخول أوسع للقوات النظامية في ساحة المواجهة، بتنسيق مع حلفائها التقليديين؟ حزب الله، الحوثيون، المليشيات في العراق وحتى حماس… هؤلاء جميعًا قد يتحولون من أوراق ضغط إلى وحدات اشتباك مباشر في المعركة، ليُعاد رسم خريطة التحالفات وفق ميزان الدم والنار.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن طاولة الحوار ــ رغم التصعيد ــ ما تزال موجودة، لكنها محاصرة بالشكوك والمطامع. فما هي الحلول المحكمة لكل طرف؟ إيران ربما تلوّح بورقة الحوار على قاعدة “رفع العقوبات مقابل وقف التصعيد”. أمريكا قد تقبل، لكنها تريد أكثر: تطويع المشروع النووي، تقليص النفوذ الإقليمي، وربما ضمانات بشأن استقرار النظام الداخلي. أما إسرائيل، فهي لا ترى في الحوار سوى هدنة قصيرة قبل عاصفة أخرى.
ولن تتنازل إلا أمام أمرين ..إنهيار الإقتصاد…. وتهديد وجودي محتمل….

لكن هذه الحرب، إن اشتعلت، فلن تبقى محصورة في مسرح العمليات التقليدي. تداعياتها ستهزّ دول الخليج، التي ستكون جبهات مباشرة لضرب القواعد الأمريكية، وستقع تحت ضغطين: حماية مصالحها، والحد من أي تصعيد على أراضيها. أما تركيا، فستراقب بحذر، ربما تنخرط، وربما تراهن على الفوضى لتعزيز نفوذها الإقليمي. القضية الفلسطينية ستتأرجح بين العزلة والانفجار، ومصر ستسعى للتهدئة لكنها لن تبقى محايدة إذا تجاوزت الحرب الخطوط الحمراء. تحت مايعرف لعبة المصالح….وبسط النفوذ

روسيا ستراقب وتناور، تفرح بإنهاك أمريكا لكنها لا ترغب بانهيار إيران، حليفها التقليدي. والاتحاد الأوروبي سيغرق في حسابات الطاقة واللاجئين والانقسامات الداخلية، وقد يُستدرج إلى نزاع لا يملك أدواته. ومع كل ذلك، يظل السؤال الأكبر معلقًا: هل تستطيع إسرائيل وأمريكا فعلًا قلب النظام الإيراني؟ هل هناك من يجرؤ على تكرار سيناريو العراق؟ وإن سقط النظام، فهل تسقط الثورة، أم تنهض من تحت الركام بأكثر مما كانت؟

المنطقة تقف على حافة زلزال، وكل خطوة الآن قد تكون اللغم الأخير. في لحظة ما، قد تتحول لعبة الشطرنج إلى حلبة ملاكمة، وقد يفاجئ أحد اللاعبين الجميع بضربة غير محسوبة. عندها، لن يكون هناك منتصر… فقط خاسرون يتساقطون تحت رماد المجازفة.

بن معمر الحاج عيسى