هوس الصهيونية بـ النصر الكامل يقودها لتدمير إسرائيل

السياسي – قال موقع Middle East Eye البريطاني إن هوس الصهيونية بتحقيق “النصر الكامل” يقودها لتدمير “إسرائيل”، وفي حين اعتادت النخب الصهيونية على إخفاء جرائمها بالبراعة الدبلوماسية، فإن القيادة اليوم، التي تمجد الموت والتضحية لحماية هشاشة دولة الاحتلال المتزايدة، تعمل على تمزيق المجتمع.

وأبرز الموقع أنه بينما يعلق نجاح أو فشل صفقة تبادل الأسرى في غزة على الميزان، وصلت التوترات الداخلية داخل الصهيونية إلى مستويات غير مسبوقة. ولم تكن هناك حالة سابقة حيث أصبحت قضية الأسرى الإسرائيليين قضية سياسية إلى هذا الحد داخل المجتمع الإسرائيلي.

وهذه المرة، لم يقتصر الأمر على الخلاف بين القيادة السياسية، حيث أعرب زعماء اليمين علانية عن استعدادهم للتضحية بالأسرى في غزة من أجل تحقيق مكاسب عسكرية، ولكن عائلات الرهائن نفسها لم تحظ بالإجماع.

وفي عدة مناسبات، تعرضوا للهجوم من قبل المارة. ورغم أن الانقسامات السياسية والاجتماعية كانت قائمة منذ فترة طويلة داخل المشروع الصهيوني، فإن الأزمة هذه المرة أعمق، مما أجبر على إعادة تعريف الصهيونية نفسها.

وهذا يعكس أزمة مجتمعية وأيديولوجية عميقة ويثير تساؤلات حول مستقبل الحكم في دولة الاحتلال، وخاصة في ضوء جهود اليمين المتطرف المستمرة لإصلاح القضاء.

-أزمة وجودية

تأتي هذه الأزمة الوجودية في وقت تزعم فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها تعمل بنشاط على إعادة تشكيل الحقائق الإقليمية.

وتشمل أفعالها توسيع الحدود الإقليمية إلى داخل لبنان على الرغم من الاتفاقات مع حزب الله للانسحاب، والتعدي على جنوب سوريا في ظل انهيار نظام بشار الأسد، وتعميق موطئ قدمها بشكل منهجي في غزة.

وتشير هذه الخطوات إلى استراتيجية أوسع نطاقاً للتوسع. وفي الوقت نفسه، أصبحت محنة الأسرى الإسرائيليين ثانوية، حيث تحولت قصة تضحياتهم من أجل المكاسب العسكرية إلى حقيقة مقبولة.

إن فكرة التضحية بالأسرى من أجل تحقيق مكاسب عسكرية ليست جديدة في الإيديولوجية الصهيونية، فهي ترجع إلى ” توجيه هانيبال ” سيئ السمعة، الذي سمح بقتل الجنود الأسرى بدلاً من التفاوض على إطلاق سراحهم.

واليوم تتجلى هذه الروح في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، حيث يتم التضحية باستمرار بـ ” الأسرى المدنيين” – الذين فشلت الدولة في حمايتهم – على الرغم من المفاوضات لإطلاق سراحهم.

وينبع هذا التحول من إعادة تعريف اليمين المسيحاني للرموز الثقافية الإسرائيلية، وتبني أخلاقيات أسبرطة حيث يتم تكييف المجتمع للحرب الدائمة.

-تجاهل التكاليف

في حين أن الإجماع الإسرائيلي يؤيد على نطاق واسع الإبادة الجماعية في غزة، فإن الجمهور لم يدرك بعد التكاليف الطويلة الأجل المترتبة على اتباع هذا المسار.

إن الاستسلام للسياسات المدفوعة بالانتقام لا يؤدي إلى تفتيت المجتمع الإسرائيلي فحسب، بل ويهدد أيضاً بعواقب دولية مدمرة، مع رد فعل العالم على تصرفات دولة الاحتلال الجامحة ضد السكان المدنيين.

وكان وزير الجيش السابق ورئيس الأركان العسكرية، موشيه “بوجي” يعلون، وهو شخصية يمينية متشددة، أحد الأصوات القليلة التي حذرت من هذا المسار.

ويصف الوضع الحالي بأنه بمثابة لحظة “تدمير الهيكل الثالث” بالنسبة لإسرائيل.

ورغم اعترافه بالتطهير العرقي الذي تمارسه دولة الاحتلال في شمال غزة، فإنه يسلط الضوء أيضا على كيفية تآكل هذه السياسات لشرعية “إسرائيل” وتحويلها إلى دولة منبوذة.

-الاشمئزاز العالمي

بعد مرور خمسة عشر شهراً على حرب الإبادة في غزة، بدأ المجتمع الإسرائيلي يفهم الثمن الذي يتعين عليه أن يدفعه.

وإلى جانب المخاطر التي تهدد حياة الأسرى، يواجه الإسرائيليون الآن تدهوراً في مستوى المعيشة، وتدابير التقشف الاقتصادي الشاملة في ميزانية 2025، والمقاطعات الدولية، والاشمئزاز العالمي من المجتمع الإسرائيلي.

لقد تلاشت النشوة التي ارتبطت ذات يوم بالغزو الإقليمي. فالحملات العسكرية المتوسعة الآن لا تنبئ إلا بسنوات من الصراع الإضافي والتكاليف المتزايدة التي تثقل كاهل حياة الإسرائيليين، وخاصة مع كشف التقارير عن العبء النفسي الذي يفرضه الحرب على الجنود الإسرائيليين، الذين يعيدون العنف إلى منازلهم.

وأشار تقرير صدر مؤخرا عن المنظمة النسائية الصهيونية الدولية (ويزو) إلى أن حالات العنف المنزلي ارتفعت بنسبة 65% خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب.

وإن الفجوات بين قيادة إسرائيل وجمهورها هي أكثر من مجرد فجوات سياسية، بل إنها تكشف عن شقوق أساسية داخل الصهيونية نفسها.

لقد وعدت الصهيونية ذات يوم بالأمن والازدهار الاقتصادي والوحدة اليهودية.

واليوم، أدى التحول نحو سياسات اليمين المسيحاني إلى خلق فجوة لا يمكن ردمها بين ما تعد به الصهيونية وما تقدمه.

لقد تم استبدال النخب الصهيونية العلمانية التي قادت دولة الاحتلال في الماضي عبر التعقيدات الإقليمية بقادة غير مجهزين لمثل هذه المهام.

ويجسد شعار “النصر الشامل” هذا التباين.

تاريخيا، تميزت الانتصارات الإسرائيلية بالنجاح العسكري الذي أعقبه اتفاقيات سلام مع الدول العربية، مثل اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر أو اتفاقيات إبراهيم.

لكن التعريف الجديد للنصر، الذي ينبع من حروب الاستنزاف المطولة والتنمر الإقليمي، يعمل على تقويض التحالفات السياسية التي حافظت على بقاء دولة الاحتلال.

-الغطرسة الصهيونية

لقد أدى فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والهوس باستعادة “الردع” بأي ثمن إلى تمزيق المجتمع الإسرائيلي، مما دفع إلى هجرة غير مسبوقة.

وبحسب المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل، غادر البلاد 40600 إسرائيلي على المدى الطويل خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، بزيادة قدرها 59% عن نفس الفترة من العام السابق. ويمثل العديد من هؤلاء الأشخاص العمود الفقري الاقتصادي والفكري لإسرائيل.

وكما يحذر الخبير الاقتصادي الإسرائيلي دان بن ديفيد، فإن خسارة حتى نسبة صغيرة من هذه التركيبة السكانية قد تؤدي إلى شلل الدولة.

وتمثل شخصيات مثل بن دافيد ويعلون بقايا النخبة القديمة التي أدركت أهمية التوازن بين الحملات العسكرية والحفاظ على نوعية الحياة والشرعية الدولية والعلاقات الغربية القوية.

واليوم تآكل هذا التوازن في ظل بيئة عالمية غير مستقرة، وتفاقم الأمر بسبب الاضطرابات الإقليمية في لبنان وسوريا والعراق، ورئاسة دونالد ترامب المقبلة.

وتعكس قضية الأسرى تحولاً أوسع نطاقاً داخل الصهيونية، إذ تكشف عن انقساماتها وتقدم فرصاً سياسية غير مسبوقة للفلسطينيين.

في حين كانت النخب الصهيونية في وقت ما تخفي جرائمها بالدهاء الدبلوماسي، فإن القيادة اليوم تتسم بالغطرسة وعدم الاكتراث بالمكانة الهشة لإسرائيل.

ويبقى السؤال: هل يستطيع الفلسطينيون استغلال هذه الغطرسة لصالحهم؟

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً