هوس القمار الرقمي يدفع أزواجاً لبيع منازلهم بنقرة واحدة..

والطب النفسي يكشف المستور

السياسي -وكالات

في موسم دراما رمضان 2025، قدّم مسلسل “منتهي الصلاحية” شخصية “صالح” كشاب يُسجن ظلماً ويُقصى من أسرته ومجتمعه، فيلجأ إلى المراهنات الرقمية بحثاً عن النجاة، لكنها تتحول إلى فخ يُحكم خناقه عليه، في سرد درامي يُحاكي واقعاً قاسياً بشفافية مؤلمة.

المسلسل من تأليف محمد هشام عبية وإخراج تامر نادي، وتدور أحداثه في عالم ملوث بالمغريات الرقمية، الذي تُحركه منصات مراهنات لا ترحم، البطل “صالح الفايز”، ويجسد شخصيته محمد فراج، يتحول من موظف ناجح إلى خاسر لكل شيء، ثم إلى مقامر في محاولة بائسة للعودة.

وفي “منتهي الصلاحية”، لم يكن انهيار حياة “صالح” نتيجة جريمة واضحة، بل نتاج سلسلة اختيارات دفعت به إلى عالم المراهنات الرقمية، حيث المال سريع، والخسارة تصبح “أسرع” بكثير.

المسلسل يطرح قضية “المراهنات” كطريق مختصر للنجاة، لكنه مسار قاتم يُجرّد الإنسان من هويته وعلاقاته، وهو ما لا يختلف كثيراً عن مشاهد نراها تتكرر في الواقع.

وفي قضية اجتماعية بائسة نشرها “24” حصرياً، تلاقت خيوط الواقع بالدراما، عندما لجأت سيدة مصرية للخلع بسبب صدمتها بانغماس زوجها الكامل في هذا العالم القاتم، لدرجة أنه باع أثاث منزلهما، لتُنهي حياتها معه.

الطب النفسي يكشف المزيد

من جانبه، أكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في تصريحات خاصة لـ”24″، أن ما وقع مع هذه الزوجة ليس إلا غيضاً من فيض، فهناك -بحسب ما تابع بنفسه- من باع شقة والدته في الإسكندرية بقيمة 2 مليون جنيه، وآخر خسر 3 مليون من بيع ممتلكات خاصة، فقط ليواصل المراهنة، هناك أيضاً من سرق ذهب زوجته، ومن استدان من خطيبته، وآخر باع أثاث بيته بالكامل.

ويشرح جمال فرويز أن ما يحدث مع مدمني المراهنات الإلكترونية يتخطى الرغبة في الترفيه أو الطمع في الربح، ليصل إلى الإدمان السلوكي المعقّد.

وأضاف: “العقل يفرز مادة الدوبامين عند التفاعل مع اللعبة، ما يخلق علاقة شرطية تجعل الشخص يعود للمراهنة رغم معرفته الأكيدة بالخسارة، هذا الارتباط السام بين المُراهن واللعبة يسمّى علمياً Irrational Relation، وهو ما يشبه ارتباط المدمن بالمخدرات”.

ويشير فرويز إلى أن بعض الحالات تُظهر أعراضاً قريبة من الاكتئاب، وأحياناً خصائص سيكوباتية: “نقابل شباباً باردين، لا يشعرون بالذنب، يتصرفون دون إدراك للعواقب، يتلاعبون بمشاعر أسرهم وأموالهم لمجرد الاستمرار في الرهان”.

المراهقون تحت الخطر

في سياق متصل، حذر الدكتور جمال فرويز من أن الموجة الأخطر الآن تطال المراهقين، خاصة في الفئة العمرية بين 13 إلى 15 عاماً، لافتاً إلى أن هناك أولاداً يسرقون أموالاً من بيوت ذويهم، أو من جيرانهم، دون أن يدرك الأهل أنهم أصبحوا مدمنين للمراهنات عبر الألعاب الإلكترونية.

ويؤكد أن دور بعض أصحاب “السايبر” يزيد من تعقيد الوضع، إذ يغرون الأطفال بالربح ويوهمونهم بتعويض الخسائر، ما يجعلهم يستمرون في المراهنة، وينزلقون نحو مزيد من الديون أو السرقة، هنا، يرى فرويز ضرورة وجود دوريات أمنية لمراقبة هذه الأماكن، والتدخل لحماية الجيل الناشئ.

 

المؤسسات الدينية تؤكد الحرمانية

وأجمعت المؤسسات الدينية المصرية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء، على أن المراهنات الإلكترونية تُعد شكلاً حديثاً للقمار المحرم شرعاً، لما تنطوي عليه من مقامرة غير مشروعة وسعي للكسب السريع دون بذل جهد.

وفي هذا السياق، أطلق مجمع البحوث الإسلامية حملة “حلالاً طيباً” لتحذير المجتمع من الانحدار القيمي الناتج عن هذه الظاهرة، مؤكداً أن المراهنات الرقمية تهدد الأمن القيمي والاجتماعي وتهدم الأسس الأخلاقية للأسرة.

وحذرت دار الإفتاء من خطورة النزيف الاقتصادي الناتج عن ضخ أموال ضخمة في منصات مراهنات تديرها كيانات خارجية، ما يضعف الاقتصاد المحلي ويؤدي إلى زيادة الديون والجرائم المالية.

وأكدت أن ضحايا هذا الإدمان غالباً ما يعانون من اضطرابات نفسية متفاقمة، تبدأ بالتوتر والقلق، وقد تنتهي بالاكتئاب أو حتى الانتحار، نتيجة الهوس بالخسارة وتعويضها بأي ثمن.

وفي المقابل، شددت وزارة الأوقاف على أن المراهنات الإلكترونية باتت أداة شيطانية تسللت عبر الهواتف إلى البيوت، لتغري الشباب بالثراء السريع وتُسقطهم في دوامات من الخسارة والانهيار الأخلاقي.