واشنطن تتظاهر بالمعارضة وإسرائيل تستمر في ضم الضفة

السياسي – في وقت تواصل فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي حملات الإبادة والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، تأتي التصريحات الأميركية الأخيرة لتؤكد أن موقف واشنطن من ضم الضفة الغربية ليس معارضًا للمشروع نفسه، بل يقتصر على تأجيل تنفيذه لأسباب تكتيكية ودبلوماسية، خصوصًا لضمان دعم وقف إطلاق النار في غزة وحماية مشاريع التطبيع مع الدول العربية.

وأبرز موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ما شهدته الضفة الغربية المحتلة مؤخرًا من رفع أعلام إسرائيلية في أحياء فلسطينية، بما في ذلك حي بروقين غرب نابلس، بعد تصويت البرلمان الإسرائيلي على مشروعين للضم الرسمي، ما يعكس إصرار الحكومة الإسرائيلية على المضي قدمًا في سياساتها التوسعية، رغم التحفظات الأميركية الظاهرية.

وقد نقلت وسائل إعلام محلية عن نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، الذي زار دولة الاحتلال للمساعدة في تنسيق المرحلة التالية من العمليات العسكرية في غزة، قوله إن التصويت كان “حيلة سياسية غبية للغاية” وأكد أنه شعر شخصيًا بالإهانة، في محاولة لتخفيف التوتر أمام الرأي العام العربي والدولي.

وفي محاولة لحفظ ماء الوجه أمام حلفاء واشنطن العرب، أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته، ماركو روبيو، لتوبيخ الإسرائيليين على تصويت البرلمان، موضحًا أن الإدارة الأميركية لا يمكنها دعم الضم “في الوقت الحالي”، دون أن يشير ذلك إلى أي معارضة جوهرية للضم ذاته في المستقبل.

وتأتي هذه التصريحات بعد أن أكد ترامب الأسبوع الماضي في مقابلة مع مجلة “تايم” أن الضم “لن يحدث الآن”، في إشارة واضحة إلى أن الخلاف الأميركي الإسرائيلي يتعلق بالتوقيت وليس بالهدف النهائي.

-واشنطن حليف الاحتلال الدائم

يؤكد التاريخ أن إدارة ترامب لم تعارض أبدًا التوسع الإسرائيلي. فقد دعم البيت الأبيض خطط ضم 30% من الضفة الغربية ضمن ما يعرف بـ”خطة السلام من أجل الرخاء”، التي وضعها صهر ترامب جاريد كوشنر.

كما أظهر السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال آنذاك، ديفيد فريدمان، أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر للضم الفوري للمستوطنات وادي الأردن والمناطق الإسرائيلية المتاخمة للفلسطينيين، مكررة دعمها في مناسبات عدة، بما في ذلك تصريحات ترامب في فبراير الماضي.

ولا تقتصر التوسعات الإسرائيلية على الضفة الغربية فحسب، بل تشمل القدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، كما كشفت تصريحات نتنياهو الأخيرة عن سعيه لرؤية “إسرائيل الكبرى” التي تمتد إلى أراضي الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق، في ما يشكل استمرارًا لسياسات التوسع التاريخية التي بدأها أسلافه منذ قيام الدولة الإسرائيلية.

ورغم إدانات رمزية من بعض الدول العربية للتحركات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن هذه الدول لم تمنع الضم الفعلي أو تمارس ضغوطًا جدية على دولة الاحتلال، فيما أعطت اعترافاتها السابقة بحدود إسرائيل لعام 1949 ضوءًا أخضر ضمنيًا لكل توسعاتها لاحقًا.

وتكرر هذه المعادلة التاريخية موقف المجتمع الدولي الذي، رغم صدور قرارات أممية، اعترف بحكم الواقع بالحدود الجديدة لإسرائيل، كما حدث مع القدس الغربية ومرتفعات الجولان، ما يعكس غياب فعالية الضغوط الدولية في منع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

-دعم خفي لسياسات الاحتلال والاستيطان

تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى بعض الأنظمة العربية، تتعاون بشكل غير مباشر مع دولة الاحتلال في تنفيذ سياسات الاحتلال والاستيطان، بما في ذلك دعمها لوقف إطلاق النار في غزة مقابل الحفاظ على التوسع الإسرائيلي تدريجيًا.

وقد وثّقت الأمم المتحدة ودوريات إعلامية، مثل “واشنطن بوست”، تعاونًا عسكريًا ولوجستيًا مع دولة الاحتلال خلال العمليات العسكرية الأخيرة، بما في ذلك مشاركة بعض الدول العربية في تعزيز القدرات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وبالعودة إلى الضفة الغربية، يُلاحظ أن الضم المستقبلي لأراضي الضفة سيتم بوتيرة سريعة، حتى مع أي تأجيل تكتيكي، وهو ما أكده روبيو بالقول إن التوقيت الحالي قد لا يكون “منتجًا”، بينما ستظل واشنطن داعمة للضم في وقت لاحق، في إطار ما يسمى بحماية مصالحها الإقليمية وضمان الاستقرار في مشاريع التطبيع.

من جهتها، تواصل دولة الاحتلال فرض واقع استيطاني متصاعد، بدءًا من بناء المستوطنات في وادي الأردن ووصولًا إلى توسعها في مرتفعات الجولان السورية، في مشهد يعكس استمرار سياسة “إسرائيل الكبرى” التي تتجاوز حدود الضفة الغربية وتشمل مناطق عربية أخرى، وهو ما يشكل تحديًا مباشرًا لأي جهود دولية للسلام.

وتؤكد الأحداث الأخيرة أن الموقف الأميركي ليس معارضًا للضم أو التوسع الإسرائيلي، بل مجرد تأجيل تكتيكي مرتبط بالمصالح الإقليمية والدبلوماسية، في حين يستمر الفلسطينيون في مواجهة انتهاكات الاحتلال دون حماية حقيقية من المجتمع الدولي، ما يجعل الواقع على الأرض يشي بأن الضم الإسرائيلي مؤجل وليس ملغى، وأن المشاريع الاستيطانية والتوسعية ستستمر بوتيرة متسارعة تحت غطاء سياسي ودبلوماسي.