واشنطن تساهم بـ70% من المجهود الحربي الإسرائيلي

تُظهر الوقائع والدراسات، ومنها تحليلات شلومو سفيرسكي، و من أبرز علماء الاجتماع في وباحث ومدير أكاديمي مؤسس في مركز أدفا، أن القوة العسكرية الإسرائيلية ليست قائمة بذاتها، بل تعتمد بشكل جوهري على الدعم المالي والعسكري الأميركي الذي يشكل نحو 70% من ميزانية الحرب الحالية.

الدراسة في طياتها تؤكد ان الولايات المتحدة شريك رئيس في جرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة ولبنان واليمن، والحديث عن وقف توريد الاسلحة او تجميدها ما هو الا كذب ومسرحية اميركية اسرائيلية تهدف لابراز واشنطن في موقف المعارض للهجمات الاسرائيلية.

وفي الوقت الذي تتحدث مصادر اسرائيلية عن مد خط بحري هو الاكبر في تاريخ اسرائيل ، من اميركا الى اسرائيل لتزويدها بالاسلحة، فان دراسة نشرها “فلسطين الترا” تكشف بان التمويل الأميركي هو جزءًا كبيرًا من القوة العسكرية الإسرائيلية، وبالأخص في الحرب الحالية، وان عمليات القتل والجرائم الاسرائيلية تعتمد بشكل مباشر على الأموال الأميركية.

حسب الدراسة فان هذا الواقع يبيّن أن “إسرائيل” ليست قوة عسكرية مستقلة بذاتها، بل هي في جوهرها مشروع تمويل استراتيجي أميركي يمنح واشنطن قدرة فعلية على التأثير في السياسة الدفاعية والاستراتيجية الإسرائيلية ويستخدم الاحتلال وجيشه كذراع قوية لتحقيق الاهداف والمصالح الاميركية .

حجم الدعم الاميركي لاسرائيل منذ 1985

منذ عام 1985، تلقت “إسرائيل” مساعدات أميركية تقارب 3 مليارات دولار سنويًا، ما جعلها من أكبر الدول المستفيدة من المساعدات الأميركية. ولا يقتصر هذا الدعم على الأموال فقط، بل يشمل أسلحة وتقنيات عسكرية متقدمة، مثل منظومة الاعتراض الصاروخي “القبة الحديدية”، التي لعبت دورًا رئيسيًا في تعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية.

وتستند هذه المساعدات إلى سياسة “التفوق العسكري النوعي” (QME)، التي تلتزم الولايات المتحدة من خلالها بالحفاظ على تفوق “إسرائيل” العسكري على أي خصم في المنطقة. وقد تجسدت هذه السياسة في اتفاقيات ثنائية، أبرزها مذكرة التفاهم الموقعة عام 2016، التي تنص على منح الجيش الإسرائيلي 3.3 مليار دولار سنويًا لشراء أسلحة ومنظومات دفاعية، بالإضافة إلى 500 مليون دولار سنويًا مخصصة لتطوير أنظمة مضادة للصواريخ مثل “القبة الحديدية”.

اسرائيل استثناء في عهد ترامب

شهدت العلاقات الأميركية الإسرائيلية حقبة جديدة بعد عهد الرئيس ترامب، الذي اتسمت سياسته بالتركيز على المصالح الذاتية وتقليص الالتزامات الدولية، لكن “إسرائيل” بقيت استثناءً واضحًا، مستمرة في تلقي الدعم العسكري بلا شروط تذكر، مما يؤكد أن “إسرائيل” تمثل مشروعًا استراتيجيًا أميركيًا يتجاوز المصالح التجارية أو التحالفات المؤقتة. في هذا الإطار، يؤكد د. شلومو سفيرسكي، من أبرز علماء الاجتماع في وباحث ومدير أكاديمي مؤسس في مركز أدفا، أن “إسرائيل” تلقت بين عامي 1951 و2024 أكبر قدر من المساعدات الأميركية في العالم، بما يقارب 317 مليار دولار، منها 251 مليار دولار كمساعدة عسكرية مباشرة، وهو رقم ضخم يوضح أن الجيش الإسرائيلي ليس كيانًا مستقلاً، بل هو نتاج تمويل خارجي ضخم يجعل الولايات المتحدة شريكًا فعليًا في كل حرب تشنها.

70% من الجهد الحربي الإسرائيلي ممول من الولايات المتحدة

في الحرب الحالية، يكشف سفيرسكي إلى أن حوالي 70% من الجهد الحربي الإسرائيلي ممول من الولايات المتحدة، أي أن القتال يتم بأموال دافعي الضرائب الأميركيين. وهذا يعني عمليًا أن استمرار الحرب مرتبط بشكل وثيق باستمرار هذا التمويل، ما يمنح الولايات المتحدة موقع قوة استثنائي يمكنها من إيقاف الصراع أو توجيهه عبر تعديل سياساتها التمويلية. كما يضيف سفيرسكي أن “الحياة المدنية في إسرائيل تستمر كأن لا حرب، وهذا بفضل الدعم الخارجي، ما يقلل الضغط الشعبي على الحكومة ويمنع تشكل معارضة فعالة ضد استمرار النزاع”.

يدخل التمويل الأميركي في صلب النسيج السياسي والاجتماعي الإسرائيلي، حيث أصبح الاقتصاد مرتبطًا بشكل متزايد بصناعات الأمن والأسلحة المتطورة. هنا تظهر طبقة جديدة من المليونيرات والمليارديرات الذين استفادوا من تدفق الأموال العسكرية، مما يعزز سلطة نخبة اقتصادية–عسكرية تهيمن على مسار “الدولة”. هذه النخبة تعمل على إضعاف الأجندات الاجتماعية التي كانت تسعى إلى تحقيق المزيد من المساواة. ويشير سفيرسكي إلى أن الدعم الأميركي “لا يعيد فقط تشكيل أولويات الدولة، بل ينقل الموارد من قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة إلى مجالات الأمن والحرب”.

إضافة إلى ذلك، يشير سفيرسكي إلى أن حالة الطوارئ الأمنية المستمرة في “إسرائيل” أدت إلى اعتماد نفسي وسياسي على هذه الحالة، ما يصعب النقد الجماهيري للسياسات الحربية ويدفع نحو استمرار الصراع كخيار “طبيعي”. وهذه الحالة ليست محلية فقط، بل مدعومة عبر التمويل الأميركي الذي يمكّن إسرائيل من المناورة السياسية والعسكرية دون دفع تكلفة فعلية، مما يفرغ المحاسبة الديمقراطية من مضمونها.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا التمويل الضخم لا يُستخدم لتحسين رفاهية الشعب الإسرائيلي أو تعزيز الخدمات المدنية، بل يُنفق بشكل شبه حصري على الأسلحة والمعدات الأميركية، مما يحول “إسرائيل” إلى سوق ضخمة لصناعة السلاح الأميركية. ويشير سفيرسكي إلى أن “ما يُقدم كدعم لإسرائيل هو في الواقع دعم لصناعات السلاح الأميركية، مما يوضح كيف تتحكم المصالح الاقتصادية الأميركية في مسار الحرب”.

ورغم قدرة الولايات المتحدة على التأثير المباشر عبر التمويل، فإنها تختار غالبًا الاستمرار في ضخ الأموال، مما يطيل أمد الصراع ويعزز نظامًا معقدًا قائمًا على المال الأميركي لاستمراره. وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول الدور الأميركي الحقيقي في السعي نحو السلام أو الاستقرار في المنطقة، في ظل استمرار دورة التمويل والتسلح.

تُظهر الوقائع والدراسات، ومنها تحليلات شلومو سفيرسكي، أن القوة العسكرية الإسرائيلية ليست قائمة بذاتها، بل تعتمد بشكل جوهري على الدعم المالي والعسكري الأميركي الذي يشكل نحو 70% من ميزانية الحرب الحالية. هذا التمويل الضخم يضع الولايات المتحدة في موقع قوة وتأثير استراتيجي مباشر على السياسة العسكرية الإسرائيلية، سواء عبر إمكانية إنهاء الصراع أو توجيهه. في الوقت نفسه، يعزز هذا الدعم تحولات اجتماعية واقتصادية داخل إسرائيل تُكرّس سلطة النخبة العسكرية–التكنولوجية وتُضعف القدرة على النقد السياسي والمدني، مما يطيل أمد الحرب ويُعقد فرص الحل السياسي.