السياسي – كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير أعده كل من ألكسندر وورد وروبي غريمر وبينوا فوكون، أن الولايات المتحدة كثفت ضغوطها الدبلوماسية خلال الأسابيع الأخيرة على عشرات الدول من أجل إرسال قوات إلى قطاع غزة، في إطار خطة لتشكيل قوة استقرار دولية، غير أن هذه الجهود لم تسفر حتى الآن عن أي التزام فعلي بنشر قوات على الأرض.
وبحسب التقرير، يعمل مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تجميع قوة متعددة الجنسيات قوامها نحو 10 آلاف جندي، إلا أنهم يعترفون بأن عملية تشكيلها ستستغرق حتى نهاية عام 2026، في ظل تردد واسع من الدول المعنية، وخشيتها من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع حركة حماس، أو التورط في مهمة قد تتوسع لاحقا لتشمل نزع سلاحها داخل معاقلها في قطاع غزة.
وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن أي دولة أجنبية لم ترسل قوات حتى الآن، وأن السبب الرئيسي يعود إلى القلق من تحول مهمة “الاستقرار” إلى عملية عسكرية مفتوحة، خصوصا في ظل استمرار نشاط مقاتلي حماس في أجزاء واسعة من القطاع المدمر.
وحتى الدولتان اللتان تقول واشنطن إنهما الأقرب لإرسال قوات، وهما أذربيجان وإندونيسيا، تشترطان أن تكون مهمتهما محدودة وضيقة، ولا تعرض قواتهما لمخاطر مباشرة أو مواجهات مسلحة.
ويأمل بعض المسؤولين الأمريكيين في الحصول على تعهدات بنشر ما يصل إلى خمسة آلاف جندي مطلع العام المقبل، على أن يرتفع العدد إلى عشرة آلاف بحلول نهاية 2026، إلا أن تقديرات أخرى داخل الإدارة تشير إلى أن حجم القوة قد لا يتجاوز ثمانية آلاف جندي، وهو أقل من الطموحات الأمريكية المعلنة.
ونقلت الصحيفة عن مايكل سينغ، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمكلف سابقا بملف الشرق الأوسط في إدارة جورج دبليو بوش، تحذيره من أن قوة حفظ سلام تتجنب مواجهة حماس قد تخلق مشكلات جديدة بدل حلها.
وقال سينغ إن “قوات حفظ السلام التي لا ترغب في استخدام القوة تخاطر بخلق أسوأ سيناريو لإسرائيل”، موضحا أنها قد تفشل في نزع سلاح حماس، وتتحول في الوقت نفسه إلى غطاء لإعادة تسليحها، فضلا عن تقييد حرية الاحتلال الإسرائيلي في العمل العسكري داخل غزة.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الاثنين، أنها طلبت رسميا من أكثر من 70 دولة تقديم مساهمات عسكرية أو مالية لصالح قوة الأمن المقترحة، بدءا من حلفاء مقربين مثل إيطاليا وفرنسا، وصولا إلى دول أصغر مثل مالطا والسلفادور.
وأفاد مسؤولون بأن الرسالة الأمريكية أشارت إلى أن دولا في الشرق الأوسط، من بينها السعودية والإمارات، تجري بالفعل مباحثات مع واشنطن لتمويل الجهود في غزة، مؤكدة أن هذه المطالب “ستتطلب التزاما طويل الأمد لتلبية احتياجات محددة”.
وقال مسؤول أمريكي إن 19 دولة أبدت استعدادها للمساهمة، سواء عبر إرسال قوات أو تقديم دعم لوجستي أو معدات ونقل. كما من المتوقع أن تشارك أكثر من 25 دولة في اجتماع يعقد في قطر الأسبوع المقبل، بقيادة الولايات المتحدة، لوضع الخطط التفصيلية لتشكيل القوة وتحديد نطاق مهمتها.
وكان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس قد صرح في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بأن هذه القوة تعد عنصرا أساسيا في أي مسار لنزع سلاح حماس، مؤكدا خلال زيارة لإسرائيل أن المهمة “ستستغرق وقتا، وستعتمد بدرجة كبيرة على تشكيل هذه القوة الدولية”.
وحتى الآن، لم تستكمل سوى المرحلة الأولى من خطة الرئيس ترامب للسلام، التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر. وقال ترامب في تصريحات حديثة إن المرحلة الثانية ستبدأ مطلع العام المقبل، وتشمل تشكيل مجلس سلام للإشراف على إعادة إعمار غزة، إلى جانب مجموعة من التكنوقراط الفلسطينيين لإدارة القطاع، بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وفق الخطة.
وذكرت تقارير أمريكية أن ترامب قد يعين جنرالا أمريكيا لقيادة القوة الدولية مطلع العام المقبل، مع تأكيد مسؤولين أنه لن يتم نشر أي قوات أمريكية داخل غزة، رغم تمركز قوات أمريكية في مركز تنسيق مدني-عسكري في بلدة كريات غات الإسرائيلية القريبة. غير أن تفاصيل المرحلة الثانية لا تزال عالقة، وسط خلافات سياسية وأمنية عميقة.
وبحسب مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أبدت بعض الدول استعدادها للعمل في ما يسمى “المنطقة الخضراء” الخاضعة لسيطرة القوات الإسرائيلية، مع تجنب “المنطقة الحمراء” التي تسيطر عليها حماس، في حين تفرض القوات الإسرائيلية سيطرتها على “الخط الأصفر” الذي يفصل بين المنطقتين.
وتؤكد الصحيفة أن واشنطن لم تتخل عن محاولاتها لإقناع الدول المساهمة بتوسيع نطاق المهمة ليشمل مناطق سيطرة حماس، محذرة من أن أي تأخير في نزع سلاح المسلحين قد يدفع الجيش الإسرائيلي إلى البقاء في غزة بدل الانسحاب الكامل كما تنص الخطة.
وفي موازاة ذلك، أفاد مسؤولون بأن حركة حماس أبدت، في جلسات غير معلنة، انفتاحا على فكرة نزع سلاحها الثقيل تحت إشراف مصري، إلا أنها تتخذ موقفا أكثر تشددا في العلن، مؤكدة أنها لن تنظر في التخلي عن سلاحها إلا مقابل ضمانات أمريكية واضحة بشأن إقامة دولة فلسطينية.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن سيناتور جمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا قوله إنه لا يرى في الأفق “أي قوة عربية أو متعددة الجنسيات قادرة على نزع سلاح حماس بالكامل”، معتبرا أن فكرة تطوير غزة في ظل وجود فصيل مسلح فاعل “غير منطقية”. وأضاف أن إسرائيل وحدها قادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة، قائلا إن نزع سلاح حماس “سيتطلب تدخلا عسكريا إسرائيليا مباشرا”.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إيال زامير، الذي قال هذا الأسبوع إن القوات الإسرائيلية قد لا تغادر “الخط الأصفر” أبدا، واصفا إياه بأنه “حدود جديدة” دائمة محتملة، ما يعكس حجم التعقيد الذي يواجه أي ترتيبات أمنية دولية مستقبلية في قطاع غزة.









