واشنطن تطارد قضاة العدالة لحماية مجرم الحرب نتنياهو

السياسي – أُدرج ثلاثة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية على قائمة العقوبات مع إرهابيين، بعد موافقتهم على مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وذلك في خطوة تكشف الوجه الحقيقي لما يُسمّى “النظام القائم على القواعد”.

وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن من بين هؤلاء القضاة، القاضي الفرنسي نيكولا غيو، الذي أصبح عاجزًا عن استخدام البطاقات المصرفية، وواجه إلغاء حجوزات الفنادق عبر الإنترنت، بعدما أدرجته الولايات المتحدة على قائمة سوداء تضم 15 ألف اسم، إلى جانب إرهابيي القاعدة.

وبحسب الصحيفة فرضت الولايات المتحدة هذه العقوبات في يونيو/حزيران، بحجة أن غيو وزملاءه شاركوا “بنشاط في أعمال المحكمة الجنائية الدولية غير المشروعة وغير القانونية، والتي تستهدف أمريكا أو حليفها الوثيق، دولة الاحتلال الإسرائيلي”.

وضمن هذا الإطار، أصبح القضاة الثلاثة ممنوعين من دخول الولايات المتحدة، لكن هذه الخطوة ليست سوى بداية توضيح المنطق الذي يعتمد على فرض القوة بدل القانون.

أبرزت الصحيفة أن سيادة القانون لا تنطبق على القوة المهيمنة عالميًا أو أقرب حلفائها. فقد صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن المحكمة “صُممت لأفريقيا ولعصابات مثل بوتين، وليس لديمقراطيات مثل (إسرائيل)”.

والولايات المتحدة نفسها لم تنضم للمحكمة خوفًا من أن تُخضع ممارساتها أو ممارسات (إسرائيل) لملاحقات قانونية، مما يضع واشنطن في نفس خانة منتهكي حقوق الإنسان .

وتأتي هذه العقوبات بعد أن أصدر غيو وزملاؤه مذكراتهم، بعد عملية قانونية مطولة، بحق نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، والقائد العسكري السابق لحركة حماس محمد ضيف.

وقد ركزت القضية على استخدام الاحتلال الإسرائيلي للتجويع كأداة حرب، وهو ما اعترف به القادة الإسرائيليون صراحة.

فقد أعلن غالانت عن “حصار شامل لقطاع غزة” مع وصف المدنيين بأنهم “حيوانات بشرية”، بينما أعلن نتنياهو صراحة: “لن نسمح بدخول المساعدات الإنسانية على شكل أغذية وأدوية من أراضينا إلى قطاع غزة”.

وفي ربيع 2024، خلصت وكالتان أمريكيتان إلى أن دولة الاحتلال تعرقل عمدًا وصول المساعدات الإنسانية، رغم أن ذلك يتطلب قانونيًا وقف نقل الأسلحة، وهو ما تجاهلته واشنطن.

تشير هذه الوقائع إلى أن إبادة غزة، والقتل العشوائي، والاستهداف المنهجي للبنية التحتية المدنية، قد أدى إلى إجماع بين خبراء الإبادة الجماعية على ارتكاب دولة الاحتلال لإبادة جماعية.

ومع ذلك، تأتي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الحفاظ على إفلات تل أبيب من العقاب فوق أي التزام بالقانون الدولي.

ولطالما اعتُبرت دولة الاحتلال “أفضل استثمار استراتيجي” للولايات المتحدة، وفقًا لجو بايدن قبل عقود، حيث وصفها بأنها ضرورة لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة.

ويستمر هذا النهج اليوم، مع توريد واشنطن الأسلحة التي تمكّن دولة الاحتلال من ارتكاب جرائم الحرب، مع تهديد أي جهة تحاول محاسبة المسؤولين عنها.

أما الدول الغربية الأخرى، مثل إيطاليا وفرنسا، فقد سلكت الطريق نفسه، مقيدة قدرة المحكمة على المحاسبة، وضامنة لنتنياهو أنه لن يُعتقل خلال زياراته، متحدية بذلك المبادئ الأساسية للعدالة وسيادة القانون الدولي.

ومن الواضح أن هذه الأحداث تُظهر ازدواجية الغرب في التعامل مع القانون الدولي: إذ يُطبق فقط على الضعفاء والأعداء، بينما تُحاط القوى الكبرى وحلفاؤها بالحصانة.

ومن خلال استهداف القضاة الذين يطبقون القانون، يحاول النظام الغربي الحفاظ على نفوذه، لكن هذه الغطرسة تؤدي في النهاية إلى تآكل مصداقية الغرب، كما أظهرت أحداث العراق وأفغانستان وروسيا، حيث كانت القوة العسكرية والازدراء القانوني سببًا في كارثة أخلاقية واستراتيجية طويلة الأمد.

وختمت الغارديان بأن قضية القاضي الفرنسي نيكولا غيو ليست مجرد مسألة شخصية، بل رمز لصراع أوسع حول سيادة القانون الدولي، وانحياز المؤسسات الغربية الكبرى، وإفلات (إسرائيل) من العقاب، على حساب العدالة وحقوق المدنيين الفلسطينيين. وما يحدث الآن يسرع انهيار النظام القانوني الدولي الذي طالما تفاخر الغرب بحمايته.