واشنطن تنزع الدسم من القرار

عمر حلمي الغول

منذ يوم الاثنين 17 ديسمبر الماضي والمندوب الأميركي في مجلس الامن الدولي وهو يسوف ويماطل بشأن التصويت على مشروع القرار العربي الجديد الذي طرحه ممثل الامارات، ويدعو لوقف فوري للحرب على قطاع غزة، وزيادة وتسريع دخول المساعدات الإنسانية لمحافظات الجنوب جميعها دون استثناء من المعابر المائية والبرية والجوية. ولجأت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد الى أساليب الابتزاز والضغط والترهيب، والمساومة الرخيصة مع ممثلي دول المجلس، وفرضت التأجيل تلو التأجيل، وانتجهت سياسة التسويف والمماطلة لإطالة امد الحرب، وإعطاء قواتها والقوات الإسرائيلية وقوات المرتزقة من الأوروبيين الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، كما ان إدارة بايدن لم تكن معنية في هذه الجولة لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار العربي الجديد، لانها لا تود ان تضع نفسها في مواجهة العالم الذي أيد قرار وقف اطلاق النار فورا بتصويت 153 دولة لصالحه في الجمعية العمومية قبل عشرة أيام، مما يضعف مكانتها الدولية. رغم ذلك هددت الدول الأعضاء بانها ستضطر لاستخدام الفيتو ضد المشروع الجديد، ان لم يستجيبوا لمطالبها بالتعديل.
ووفق التقارير الإعلامية ومنها وكالة “فرانس برس”، ان غرينفيلد تمكنت من ادخال تعديلات أساسية على مشروع القرار، ومنها أولا عدم استخدام نص “الوقف الفوري للحرب”، وابقت أمد الحرب مفتوحا على وسعه؛ ثانيا استخدمت تعبير عائم مفاده “تهيئة الظروف لوقف دائم للاعمال العدائية، ثالثا اعتراض اميركا على اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش بشأن تعيين منسق كبير للشؤون الإنسانية وإعادة الاعمار، لانشاء آلية تابعة للأمم ال المتحدة، لتسريع المساعدات لغزة، وسيتولى المنسق أيضا مسؤولية التسهيل والمراقبة في غزة عند الاقتضاء. بيد ان اميركا طرحت “انشاء الية مراقبة لجميع شحنات الإغاثة الإنسانية الى غزة، المقدمة عبر الطرق البرية والبحرية والجوية. وبحيث تتم عملية المراقبة من الجانب الإسرائيلي، رابعا سعت ممثلة الإدارة الأميركية لاتهام حركة حماس ب”الإرهاب”، لكنها لم تنجح في إضافة مقترحها.
وبعد تمكن مندوبة اميركا من تغيير جوهر القرار، وجردته من الدسم، وابقت باب حرب الإبادة واسعا ومفتوحا على مصاريعه، اعتبرت غرينفيلد بعد موافقة المجموعة العربية وغالبية الدول على التعديلات الأميركية، بان مشروع القرار مازال قويا، ولم يضعف، من وجهة نظرها، وان النص جيد وسيتيح تقديم المساعدات الإنسانية لمحتاجيها!
لكن الحقيقة الناصعة كالثلج تشير، الى ان مشروع القرار، لم يتضمن وقفا فوريا للحرب، ولا بتأمين ادخال واسع للمساعدات الإنسانية، وابقاها تحت سطوة الجانب الإسرائيلي، وبالتالي لم يعد مشروع القرار قرارا يستجيب لحاجات الشعب العربي الفلسطيني، ولا لابسط حقوقه الإنسانية الغذائية والدوائية والطبية والتعليمية والوقود والكهرباء والماء، وتراجع المجموعة العربية لصالح التعديلات فيه رضوخ لمشيئة الولايات المتحدة، وانكفاء وتخلي عن استحقاق كسر دوامة الحرب الأساسي، وهو الوقف الفوري لها، وتأمين المساعدات الإنسانية والفورية وبكميات تستجيب لحاجات المواطنين وللمستشفيات والمراكز الصحية في الشمال والوسط والجنوب، ووقف عمليات التهجير القسري لابناء الشعب الفلسطيني.
للأسف الشديد التساوق العربي مع إدارة بايدن المأزومة، والتي تعاني من حصار من داخلها، ومن أوساط المؤسسة التشريعية والرأي العام الأميركي، والرأي العام الدولي، ولادراكها، ان استخدامها لحق النقض الفيتو، لم يعد في صالحها، انما عبئا عليها، فجاء التناغم لإنقاذ ماء وجه الإدارة التي تقود دفة حرب الأرض المحروقة لليوم ال77، ويغطي وجهها القبيح والاجرامي. ولهذا انصح دولة الامارات ان كان هناك متسع امامها ان تسحب مشروع القرار، لانه أُفرغ من محتواه، وبات المشروع الجديد سلاحا في اليد الإسرائيلية الأميركية لاطالة امد الحرب. وسحبه افضل من التصويت عليه، لانه بلا قيمة، ولا يحمل جديدا إيجابيا، بل هو اضعف الف مرة من قرار الجمعية العامة يوم الثلاثاء 12/12 /2023، ولا داعي لرش السكر على أرواح الشهداء والجرحى الفلسطينيين، الذين قارب عددهم من ال75 الف، فهذا اكرم واشرف لاهل النظام الرسمي العربي.