استقبل الرئيس ترامب ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لواشنطن استقبالاً حافلاً غير مسبوق لأي زعيم زار البيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى والثانية، من فرش سجادة حمراء، ومراسم استقبال بروتوكولية غير تقليدية رفيعة المستوى، إلى استعراض عسكري جوي، غير مسبوق لزعيم عربي، رافق مراسم الاستقبال، ومأدبة عشاء فاخرة.
وقد أوحى ذلك من البداية أن البيت الأبيض ليس فقط في استقبال زعيم استثنائي لدى واشنطن كما قال ترامب، بل أيضاً في مستهل زيارة استثنائية لترقية الشراكة الاستراتيجية المتميزة بين واشنطن والرياض إلى مستوى أعمق.
منذ تولي الملك سلمان قيادة المملكة وتفويضه لجيل الشباب المتمثل في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الطموح ذي الرؤية الثاقبة، مسؤولية النهوض الشامل للمملكة، أمسى يُنظر للمملكة، إقليمياً ودولياً، كدولة رائدة تضطلع بنهضة شاملة ذات وزن إقليمي ودولي لا يستهان به، تقود زمام المبادرة في المنطقة، خاصة على مستوى حل الأزمات، وبالنسبة لواشنطن بات يُنظر لها كأهم حليف استراتيجي، ليس في المنطقة فقط، بل في العالم.
والحقيقة أن تلك النظرة تتعمق باستمرار وتؤكدها الأيام يومًا بعد يوم، فخلال إدارة بايدن سرعان ما تحولت فترة التوتر البسيطة إلى إعادة توجيه جديدة للشراكة بضمانات أمريكية أقوى بشأن حماية أمن الخليج. الرئيس ترامب من أكثر رؤساء الولايات المتحدة في التاريخ إدراكًا لقيمة وأهمية ودور المملكة لواشنطن والمنطقة والعالم، فزيارته الخارجية الأولى خلال ولايتيه الأولى والثانية خرجت عن نطاق المألوف للرؤساء الأمريكيين وكانت حصرية للمملكة.
لا يمكن وصف زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة لواشنطن إلا بالاستثنائية في كل شيء، وفي مقدمة ذلك دفع الشراكة بين البلدين إلى شراكة استثنائية، وهذا يتبدى من جملة المطالب السعودية التي وافق عليها ترامب، من الموافقة على بيع طائرات إف 35 متطورة للمملكة ككسر لتقليد حصر أحدث طرازات تلك المقاتلة لإسرائيل، وإعلان السعودية حليفًا رئيسيًا من خارج حلف الناتو وهو بمنزلة اتفاقية دفاع مشترك، والتعهد بالمضي قدمًا في اتفاق نووي سلمي مع المملكة، واتفاقية الدفاع الاستراتيجي، إلى جانب الاتفاق على صفقات مليارية تشمل مجالات متنوعة، أهمها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وبعضها غير مسبوق كالثقافة والسياحة والفنون والآلات.
ما منحه ترامب للمملكة يبرهن بما لا يدع مجالاً للشك على سعي واشنطن إلى ترقية الشراكة إلى شراكة استراتيجية استثنائية في كل المجالات تقريباً. أي بعبارة أخرى، لا غنى عن الشراكة السعودية لواشنطن، والعكس صحيح، وربما بصورة أقل في ظل سياسة التنوع الاستراتيجي للمملكة.
وفي خضم الأوضاع التي تمر بها واشنطن والمنطقة، تبرز مكانة المملكة كأهم شريك تعول عليه واشنطن في المنطقة لدعم الاستقرار، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية، وهو ما تبدى من إصرار الأمير سلمان خلال لقائه مع ترامب على ضرورة العودة إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، وفي ضوء الشراكة الاستثنائية تتوسع آمال حل القضية الفلسطينية، كما تعول واشنطن على المملكة في دعم استقرار وإعمار سوريا، كذلك دعم الاستقرار في اليمن والسودان، ومحاربة التطرف والإرهاب ودعم الحداثة في المنطقة، وتوازن العلاقات مع الصين في المنطقة، ودعم الاقتصاد الأمريكي المتراجع. قصارى القول، دخلت المملكة فعلياً إلى مرحلة الشراكة الاستثنائية مع واشنطن التي تتمتع بها دول عدة محدودة، مثل إنكلترا. ولن يأتي ذلك من فراغ، بل من خلال جهود ورؤية الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان الثاقبة، التي من خلالها أطلقت المملكة العنان لقوتها الشاملة الجبارة التي تتمتع بها، لتصبح رائداً عالمياً لا غنى عنه، ومساهماً عالمياً أساسياً، اقتصادياً وأمنياً ومالياً وتكنولوجياً وثقافياً وفنياً ورياضياً.
* نقلا عن “القبس”






